من تاريخ الحيوانات البرية في منطقة ولاية النعامة بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى.

 من تاريخ الحيوانات البرية في منطقة ولاية النعامة بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى. 

الجزء الأول:


بين نقش صخري يجسّد نمر الأطلس، ووثيقة محفوظة في أرشيف ما وراء البحار الفرنسي، تتشكل أمامنا صفحة نادرة من تاريخ الحياة البرية في المنطقة. 

النقش الصخري:

الصور المرفقة تعود إلى محطة من محطات الصخور المنقوشة الواقعة في جبال الأطلس الصحراوي، يرجع تاريخها إلى العصر الحجري الحديث. تم اكتشاف المحطة سنة 1935 على يد الملازم Ribaut، ونشر وصفا لها عالم ما قبل التاريخ الفرنسي فوفري سنة 1939

. يمثّل النقش نمرا منبسط الجسد في حالة ترصّد كأنه يتهيأ للانقضاض، بدقة طبيعية مدهشة جعلت منه من أروع النقوش الصخرية في الأطلس الصحراوي. ويُعتبر هذا الأثر البصري المادي من أقدم الأدلة على وجود النمر البربري أو الأطلسي في شمال إفريقيا منذ العصر الحجري الحديث.

لحسن الحظ المحطة تحت حراسة مشددة من قبل أحد الأصدقاء من البدو الرحل الذي تطوع لحراستها وتأمينها


:الوثيقة الأرشيفية:

أما الشهادة الثانية فهي وثيقة تعود إلى سنة 1888، محفوظة في سجل الصادر للحاكم الفرنسي لدائرة المشرية، موجّهة إلى قايد أولاد مسعود (من عرش الغياثرة). ونصها:


عليك السلام، وبعد المراد منك أن توجه لنا إلى البرق المسمى الشيخ ولد جلول الذي قتل النمر لنمكن له جائزة. والسلام.


يطلب العقيد حاكم دائرة المشرية، من قائد العرش أن يرسل إليه المدعو الشيخ ولد جلول الذي قتل نمرًا، قصد منحه مكافأة نظير ذلك. وتكشف هذه المراسلة أن النمر كان لا يزال يعيش في المنطقة سنة 1888، وهو على الأرجح النمر البربري أو نمر الأطلس 

(Panthera pardus panthera)،

 الذي كان يُصنّف سابقا نوعا مستقللا للنمر، لكنه يُعتبر اليوم إحدى جمهرات النمر الإفريقي. فقد عاشت هذه الحيوانات تاريخيا في بلادنا، وشكلت جزءا من توازنها البيئي.

إلا أن الوثيقة تُظهر بوضوح أن الإدارة الاستعمارية الفرنسية لم تكن تدرك قيمة هذا الحيوان في تلك الفترة ولم تسعَ لحمايته، بل اعتبرته تهديدا محتملا للمعمريها بدرجة أولى ولقطعان الماشية وللأهالي بدرجة ثانية، فشجّعت على القضاء عليه ومنحت مكافآت لمن يفعل ذلك. 

هكذا يتجاور النقش الحجري من العصر الحجري الحديث مع وثيقة استعمارية من القرن التاسع عشر، ليرسما معًا صورة عن تاريخ النمر البربري في الجنوب الغربي الجزائري الأعلى: من رمز مرسوم على الصخر بدقة فنان قديم، إلى حيوان يُطارَد وتُدفع الجوائز لقتله.

الجزء الثاني سأنشره لاحقًا بحول الله.

تنبيه هام:

لكل من يحاول الدخول في جدال عقيم حول التسميات (النمر البربري، الجمل العربي، الوشق العموري، النسر الحمياني، الغزال الزواوي، الأيل الشاوي…) أو يستعمل التعليقات كذريعة للتحرش أو المساس بهوية أو ثقافة أي منطقة، فليعلم أنّه سيتم حظره مباشرة وبدون نقاش.

هذه التسميات ليست ملكية لأحد، بل هي مجرد إشارات علمية أو تاريخية تحدد موطنًا، أو فترة اكتشاف، أو جماعة بشرية عرفت الحيوان أكثر.

المقصود هنا المعرفة، لا إثبات السيادة أو الأحقية.

.

أحمد عقون

سبتمبر 2025





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق