من تاريخ الحيوانات البرية في منطقة ولاية النعامة بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى

 من تاريخ الحيوانات البرية في منطقة ولاية النعامة بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى




الجزء الثاني:

أين اختفى المها (بقر الوحش) في الجزائر؟ 

الوثيقة أدناه مؤرخة في27 فيفري 1888 م محفوظة اليوم في الأرشيف الوطني لأقاليم ما وراء البحار بمدينة آكس أون بروفانس بفرنسا، تكشف عن أنشطة صيد جماعي منظم لحيوان المها (الظباء) ويعرف محليا باسم "بقر الوحش" (الأرجح الأروكس أو نوع من الثيران البرية، الحيوانات الضخمة التي كانت لا تزال معروفة). وتكشف عن وجه آخر من علاقة الإنسان بالبرية في الجنوب الغربي الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية، من خلال راسلة إدارية موجّهة إلى قيّاد المنطقة (مشرية والعين الصفراء) تأمرهم بالالتحاق بحملة صيد جماعي إلى جانب السلطات الفرنسية في محيط عين الصفراء، ام قرار، تيسفساف، السعادنة، القعلول،مكمن بن عمار. .

ما يلفت الانتباه في هذه الوثيقة هو الطابع المنظم والدقيق لهذا النشاط؛ إذ طُلب من كل قائد أن يحضر معه "قيطون" وثمانية فرسان، مع تجهيزات خاصة لربط الخيل، والاقتصار على الصيد بالخيل دون استعمال البارود. هذا التفصيل يوحي بأن الغاية لم تكن فقط المتعة اللحظية، بل ربما الرغبة في إمساك بعض الحيوانات البرية حيّة لتقديمها كهدايا للقيادات العليا، أو لنقلها إلى فرنسا لأغراض علمية أو لعرضها محنطة في المتاحف أو تربيتها في الحدائق، وهو ما كان مألوف في تلك الفترة. 

تشير المراسلة إلى وجود "أكثر من خمسين رأس مها" في منطقة مكمن بن عمار، مما يثبت أن المنطقة كانت ما تزال غنية بالحياة البرية، غير أنّ هذا الثراء البيولوجي سرعان ما تعرض للاستنزاف؛ فالاستعمار الفرنسي، الذي وجد الجزائر خزّانا متنوعا من الكائنات البرية، خرج بعد عقود وقد أفنى العديد منها، متحملا بالدرجة الأولى مسؤولية انقراض أصناف لم يعد لها أثر اليوم.

هذه الوثيقة تكشف أيضا أن الصيد لم يكن مجرد هواية فردية، بل نشاط مؤسساتي شبه رسمي، يُنظم بمشاركة القياد والفرسان المحليين تحت إشراف المستعمر. وهنا يبرز البعد السياسي: فإلى جانب الطابع الترفيهي، كان الصيد وسيلة لإظهار الهيبة الاستعمارية وربط النخب المحلية بسلطة الاحتلال.

وبذلك، تكمل الوثيقة صورة الجزء الأول: ففي حين قُتل النمر البربري لأنه يمثل "خطرًا" يهدد الإنسان والقطيع، كانت المها والثيران البرية تُصاد في إطار استعراضي منظم، يعكس مزيجا من الترف والهيمنة السياسية في آن واحد.

 هكذا نرى أن علاقة المستعمر بالإنسان والأرض والطبيعة لم تقتصر على القتل والإبادة والتجارب النووية ونهب الثروات والآثار، ولا على دفع البلاد عقود طويلة إلى الوراء، بل امتدت كذلك إلى الكائنات البرية التي عاشت في ربوع الجزائر منذ آلاف السنين. لقد كان له نصيب وافر في إفنائها، فاختفى مع الزمن ما كان يوما يزاحم الإنسان في فضائه الطبيعي. لم يسلم من أثره المدمّر شجر ولا حجر، ولا طير ولا بقر، ولا حتى الإنسان، الله يستر.

نص الوثيقة:

عليكم السلام وبعد نهار الأربعاء تاريخ 27 في شهر فيفري الموافق 26 جمادى الثانية تراني نكون في ام قرار التحتاني ان شاء الله لاجل نمشي انا واياكم نطادوا المها جيهة تسفسيف أو الجبل يكون لازم انتم القياد المذكورين تتلاقوا معي في عين الصفراء نهار الأحد تاريخ 24 من هذا الشهر الموافق  23 جمادى الثانية تحضروا معي في الكوميسيون ومن بعد تسبقوني في مقرار وكل واحد منكم يأتي معه بقيطون و 8 فرسان. يوم الأربعاء نكون عند اولاد احمد نصطاد فالجبل من السعادنة الى الشرق اذا تبقى وتقرر تلحقني يوم الاثنين أو يوم الثلاثاء جهة القعلول لاجل يوم الخميس نصطادو البقر نتاع الوحش جيهة المكمن والمرير لانه عندي خبر كاين في هذا الوقت اكثر من خمسين زايلة نتاع البقر كيما قلت ليكم نديروا. لاجل نقبضوا غير على الخيل بلا بارود ويوم الخميس ويوم توجد لي الضيفة والقيطون اينما تبغي ويكون مع القيطون ستة باعير بالغراير والشدة والاحبال لربط الخيل وتراه يكون معي سبعة من الخيل والفطور نتاع الصيادة نرفدوه بارد من العشا واعلم ان أول يوم شهر ديسمبر عندنا نشروا الابل للكونفة عشرة بعير خبرني اذا عندك ذلك او لم يكن عندك ذلك لانه كاين عند بعض الناس الابل وارادوا يبيعوا تراني خبرتك انت الأول اذا عندك ولكن ليس نبغي الابل الذي ليس حملت ابدا. والسلام.

انتهى

أحمد عقون

سبتمبر 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق