كبش بوعلام والقرن الدائري: ملاحظة أنثروبولوجية في ضوء الميثولوجيا الأمازيغية القديمة..
أصدقائي أساتذتي.. أولا: عيد أضحى مبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات.
ثانيا: بهذه المناسبة السعيدة أحببت أن أقاسمكم منشور حول محطة من أروع محطات الفن الصخري الجزائري. وهي محطة كبش بوعلام التابعة لبلدية بوعلام ولاية البيض.
تشهد محطة "بوعلام" للنقوش الصخرية، الواقعة غرب بلدية بوعلام بولاية البيض، على حضور رمزي موغل في القدم، لا سيما في تصوير الكبش وقرونه الدائرية. هذه المحطة، التي اكتشفها لأول مرة الجيولوجي الفرنسي جورج فلامون سنة 1898، نالت شهرة واسعة في الأوساط البحثية، وقد خضعت لدراسات عديدة، ما يجعل الخوض في تفاصيلها أمرا معروفا للمهتمين، لكنه لا يمنع من التوقف عند بعد رمزي وثقافي لم يسلط عليه الضوء بما يكفي: البعد الأنثروبولوجي والميثولوجي المتعلق بالقرن الدائري للكباش.
يعتبر الكبش أحد الرموز المقدسة في المعتقدات القديمة لسكان شمال إفريقيا. فقد أشار هيرودوت إلى أن الأمازيغ قدسوا الكبش وقرنيه، ومن المعلوم أن عبادة الكبش لم تظل محصورة في موطنها الأصلي، بل عبرت جغرافيا وزمنيا إلى مناطق أخرى، خاصة إلى مصر القديمة، حيث اتخذ الإله آمون – إله الشمس والريح والخصوبة – هيئة الكبش، وأحيانا مزيجا بين شكل بشري وتاج يعلوه قرص شمسي تتفرع عنه قرون؛ هذا القرص الدائري المميز يظهر في العديد من محطات النقوش الصخرية المنتشرة عبر الأطلس الصحراوي الجزائري، بدءا من تيوت (أول محطة تكتشف عالميا 1847)، مرورا بأم البرايم بجنين بورزڨ، ثم أم الشڨاڨ بالمحررة، وبوسمغون..الخ وصولا إلى كبش بوعلام. في كل هذه المحطات يتكرر حضور الكبش المقرن، تعلو رأسه دائرة تحاكي القرص الشمسي، وكأنها استعادة بصرية رمزية لصورة الإله آمون.
ما يثير الانتباه أيضا أن شكل "القرن الحلزوني" للكباش، والذي يُعرف علميا بـ قرن آمون (spiral horn)، ألهم حتى تسمية بعض الكائنات في علم الأحياء، مثل الأمونيت (Ammonite)، وهو كائن بحري منقرض اتخذ اسمه بسبب تماثل شكل صدفته الحلزونية مع قرن آمون المعقوف، كما ورد في موسوعة ويكيبيديا.
لسانيا، من المثير للتأمل أن كلمة "آمون" تبدأ بحرف الألف، وهو في الفونيتيك الأمازيغي يشبه أداة التعريف، كما في: أغروم، أيسوم، آمان (الماء). والماء في ذاته يمثل رمزا للخصب والحياة، وقد يكون هذا التقاطع بين الدلالة والصوت هو ما منح كلمة "آمون" طابعا مقدسا متجذرا في الوعي الأمازيغي القديم. فالألف والواو والياء، كحروف علة، كثيرا ما تلعب دورا محوريا في قلب دلالات الألفاظ في اللغات القديمة.
ويضيف القديس أثناسيوس، في القرن الرابع الميلادي، بعدا تاريخيامهما، حين يذكر أن "الليبيين" – وهم سكان شمال إفريقيا الأوائل – كانوا يعبدون الشاة ويسمونها أمن (Amen)، ويصفون قرني الكبش بـ"الإله آمون".
وما يدهش الباحث هو استمرار هذه الرمزية حتى الأزمنة القريبة، ففي واحات القصور الممتدة من تيوت إلى عسلة ومغرار وما جاورها، كان الشيوخ والعجائز يعلقون قرون الكباش المعقوفة على أغصان أشجار التين والرمان أو على أسطح البيوت، اعتقادا منهم بقدرتها على طرد الأرواح الشريرة والحسد. هذا الطقس الشعبي يبرز كامتداد حي لذاكرة ميثولوجية عميقة، تنقل معنى الحماية والخصوبة والقوة من جيل إلى آخر، عبر القرن.
وفي سياق الحديث عن القرن، يطرح سؤال لغوي وثقافي يفتح المجال أمام مزيد من البحث المقارن: هل يمكن أن تكون هناك علاقة دلالية أو جذرية بين الكلمة الإنجليزية Horny التي تعني "الشبق الجنسي"، وكلمة Horn التي تعني "القرن"؟ خاصة أن الثقافة اليونانية القديمة ربطت بين قرون الحيوان والخصوبة والقوة، كما في حالة الإسكندر الأكبر الذي صُوّر بقرون كبش على العملات المعدنية، في إشارة إلى انحداره الرمزي من زيوس-آمون، هذا الإله الذي يجمع بين زيوس الإغريقي وآمون المصري، والذي يُرمز له غالبا بالقرون.
هكذا، يبرز القرن الدائري في صورته المحفورة في الصخر، وفي ذاكرة الناس، وفي طقوسهم اليومية، لا كعنصر زخرفي أو رمزي عابر، بل كعلامة حية من علامات ميثولوجيا شمال إفريقيا القديمة، التي ما تزال تتردد أصداؤها في تفاصيل الثقافة الشعبية حتى اليوم.
أحمد عقون
جوان 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق