وثيقة بخط جد الشيخ سيدي محمد بلكبير

 الوثيقة المرفقة أدناه من خزانة المرحوم محمد بن عبد الله النواوي من قصر تيوت، وهو جد الأستاذ والصديق شريف بن واز، تعود لسنة 1870م من توقيع الشيخ محمد بلكبير التواتي، وهي تتضمن عقد اتفاق بين فرع من عرش اولاد عليات العمور وهم اولاد العربي بن ڨانة (الڨوانة)  وفرع من عرش المغاولية وهم اولاد علي، لا توضح الوثيقة بدقة سبب التحاكم عند محررها، لكن عبارة "وصاروا خاوة في المزراڨ" تدل على تراضي طرفي النزاع على قسمة ما، قد تكون أرض، أوميراث، أو ماشية، أو ما شابه ذلك.. ويبدو أن لهذه العبارة مدلولها الخاص في ذلك الزمن، أما عبارة "على الشريعة" "والتقوى" فتدل على أن الأمر المتنازع فيه مشروع وليس نزاعا حول غزوة أو طيحة أو سلب، وكلمة مزراق هي كلمة عربية فصيحة تعني الرمح، وفي لغتنا العامية تدل على القسمة والنصيب مثلها مثل كلمة السّهم. 

ذكر محرر الوثيقة أسماء بعض شيوخ اولاد عليات، وتجاهل أسماء ممثلي اولاد علي المغاولية، يدل هذا على أن من طلب التحاكم هم اولاد عليات وهم المعنيين به أكثر، وما يؤكده هو إكرامهم لوفد جماعة اولاد علي بذبيحة وهذا منتهى الكرم عند القبائل العربية البدوية، فعبارة "دبحوا العمور على اولاد علي" تدل كذلك على أن الاتفاق وقع عند اولاد عليات. 

من المرجح جدا أن الاتفاق وقع بقصر تيوت أو بباديتها، وقد يكون موضوعه حول أرض هناك، حيث تؤكد وثائق البيوع القديمة على امتلاك عرش المغاولية واولاد عليات أراض للزراعة بواحة تيوت قديما. 

كما يشترك عرش اولاد علي وعرش اولاد عليات في المراعي الواقعة بين جنوب بلدية عين بن خليل وشمال بلدية العين الصفراء، حيث يتواجد ما يعرف محليا بـ "الڨمير" وهو علامة كان يضعها البدو لتحديد مجالات الرعي ويمتد من جبل مرغاد غربا، إلى حرازة، والحجرات الطوال شرقا. 


أما عن كاتب الوثيقة فهو محمد بلكبير التواتي والذي من المرجح جدا أنه جد الشيخ سيدي محمد بلكبير التواتي شيخ زاوية أدرار، وما يعطي هذه الفرضية وجاهتها هو ما يلي:


أولا: من ناحية الاتساق بين الفترة الزمنية والإسم فلا يوجد أي تناقض في أن يكون محمد بلكبير التواتي هو جد الشيخ سيدي محمد بلكبير، فهو الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد بلكبير التواتي. 


ثانيا: لايمكن أن ينسب أحد إلى منطقة ما باسم تحمله أكثر من عائلة واحدة كما جرت العادة في كل بلاد العرب، مثلا نسبة بلكبير التواتي تجدها لدى عائلة واحدة فقط تجمعها رابطة دموية في إقليم توات، لكن قد تجد بلكبير الفيلالي، أو بلكبير السمغوني، أو غيره دون أن تكون بينهما رابطة دموية، هذا يعني أن كاتب الوثيقة هو أحد أصول أو أحد حواشي أصول الشيخ سيدي محمد بلكبير التواتي تغمدهم الله برحمته الواسعة. 

ثالثا: علاقة منطقة ولاية النعامة بمنطقة توات وڨورارة علاقة اتصال وتواصل منذ القدم، فكان أغلب الفقهاء ومدرسي القرآن يتوافدون من إقليم توات وڨورارة لأجل القيام بمهمة الإمامة أو تدريس القرآن وفي حالات خاصة تولي مهمة التوثيق، فلا غرابة أن يكون جد سيدي محمد بالكبير قد وفد إلى قصر تيوت وتولى مهمة التوثيق هناك، أو عند قبيلة بدوية مجاورة للقصر في فترة من الفترات، توجد لدينا وثيقتين بتوقيعه من قصر تيوت ووثيقة من قصر الصفيصيفة قد نأتي على ذكرهم في قادم الأيام بحول الله. 


رابعا: يعرف عن الشيخ سيدي محمد بالكبير أنه اشتغل بالتدريس في منطقة المشرية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، بالضبط بمنطقة ممكن بن عمار لدى عرش البكاكرة، وهناك تزوج امرأة من عائلة المكي تدعى حليمة بنت بوجمعة البكاري، هذا قد يثبت وجود صلات قديمة بين أجداد الشيخ محمد بن بلكبير وأهل المنطقة. 


في الأخير تبين لنا الوثيقة أن روح التسامح والتآخي كانت هي أساس العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة بين جميع عروش وقبائل المنطقة، وهو ما يفسر اتحاد هذه القبائل في مواجهة ومقاومة الاستعمار الفرنسي منذ دخوله إلى غاية ثورة التحرير الوطني واستقلال الجزائر في 05 جويلية 1962.


في النهاية ومن باب الطرفة (خاوتنا المغاولية راهم يسالوكم اولاد عليات عرضة باش تردوها عليهم، وعرضوني معاهم) 


نص الوثيقة:

"الحمد لله وحده صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله

 تحاكموا لدينا جماعة اولاد علي وقبيلة العمور من اولاد عليات اولاد العربي بن ڨانة أخص منهم براهيم ولد العربي وأخيه عيسى بن النسب ومحمد بن النسب والطيب بن زروال كلهم اولاد العربي بن ڨانة ومن تبعهم من قبيلتهم العمور دخل في هذا الأمر ودبحوا العمور المذكورين على اولاد علي المذكورين وقبلوهم وتراضوا بما يليق بهم من جميع الأمور على الشريعة وغيرها وصاروا خاوة بعضهم بعضا في المزراڨ ومن بدل وغير فإن الله يحاسبه والله تعالى يوفق للصواب وكونوا إخوانا على التقوى طال الزمان أم قصر وكتب في الأربعاء آخر جمادى الأول عام سبعة وثمانين ومائتين وألف عبد ربه تعالى محمد بن الكبير التواتي لطف الله به آمين"

أحمد عقون جويلية 2024





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق