قصر المرفوعة.
بلدية البنود، الولاية المنتدبة، الأبيض سيد الشيخ، ولاية البيّض. الجنوب الغربي الجزائري الأعلى.
فوق تلة يزيد ارتفاعها عن 20 متر، تتواجد أطلال قصر "المرفوعة" "أو لالة المرفوعة" كما يسميها أبناء المنطقة، يقع القصر شمال شرق قرية البنود على مسافة 05 كلم وهي تابعة إقليميّا للولاية المنتدبة الأبيض سيد الشّيخ ولاية البيّض بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى.
بني قصر المرفوعة على هذا المرتفع ليشكل قلعة محصّنة على مساحة تقدر ب 01 واحد هكتار، وهو محميّ من جميع النواحي طبيعيا بجرف سحيق يزيد ارتفاعه عن 15متر،
يحيط به جدران بنيت بالحجارة الجيرية الصلبة التي تم جلبها من أمكان قريبة، وقد تم تدعيم دفاعاته بخندق مواز لسور الحصن يزيد عرضه عن أربعة أمتار وعمقه أكثر من ثلاث أمتار غمرت الرّمال والسّيول أكثره، ولا تزال آثار البوابة الخشبية المتحركة بادية للعيان إلى يومنا هذا، كان يتم سحبها من فوق الخندق بعد أن يمر الداخل إلى القصر عبرها.
داخل القصر تتواجد مجموعة من الغرف والمساكن التي انهارت جميع أسقفها، وهي محاذية للسّور الشرقي يظهر أنها كانت تستعمل كمأوى لساكنة القصر، ولتخزين السّلع والمؤونة، كما تم تزويد جدرانها الخارجية بفتحات كانت تستعمل للحراسة والمراقبة ولرمي السّهام في حال تعرّض القصر لهجوم خارجي.
في الجهة الشمالية تتواجد قبة على شكل شبه أسطواني نصفها مغمور في الأرض، يتم الدخول إليها من خلال فتحة صغيرة متجهة إلى القبلة، بداخلها يتواجد قبر تقول الرواية الشفوية أنه يعود لإبنة الولي الصالح سيدي بحوص الحاج حفيد سيدي عبد القادر بن محمد المشهور باسم "سيد الشيخ" تسمى: "لالة المرفوعة" وقد سمي الإسم تيمنا بها، وقد سميت به هذا الإسم لأن الله رفعها إليه بعد أن طال تعبدها بالمكان، وقد يكون سبب تسميتها بلالة المرفوعة نظرا لرفعة مقامها وسمو نسبها.
أما وسط القصر فقد ترك على شكل ساحة كبيرة، كانت على ما يبدو تستعمل كمكان لتوقّف القوافل ووضع الأثقال عنها.
رغم أهمية هذا القصر الأثرية والمعمارية، فإنني لم أعثر على أي دراسة خاصة به، عدا بعض الفقرات التي ذكر فيها قصر ملك سليمان من قبل كتّاب ورحّالة فرنسيين مرّوا بالمنطقة، حيث أشار بعضهم إلى تواجد أطلال قصر قديم يعود تاريخ بنائه إلى زمن تواجد قبائل بني عامر الهلاليّة بالمنطقة حسب ما أفادهم به السّكان المحلّيون آنذاك.
مع ذلك يمكن الرجوع إلى أهم إشارة تاريخية لقصور المنطقة والتي جاءت على لسان العلامة عبد الرحمن بن خلدون في ذكره أن هذه القصور التي تقع قبلة جبل راشد (جبال العمور حاليا) هي قصور عربية عامريّة، فحين يخبرنا عن هزيمة الملك الزّياني أبو حمّو موسى الثّاني على يد المرينيين وذكره لتعرّض هذه القصور إلى النّهب التّخريب يقول: «..ورجعت العساكر من هناك، فسلكت على قصور بني عامر الصّحراء قبلة جبل راشد، الّتي منها اربا وبوسمغون وما إليها، فانتهبوها وخرّبوها وعاثوا فيها، وإنكفوا راجعين إلى تلمسان» (تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ.. الجزء 07، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت لبنانن 2000 ص 177) وفي موضع آخر وأثناء حديثه عن حركة السّلطان عبد العزيز المريني إلى تلمسان واستيلائه عليها وعلى سائر بلادها يذكر: «...ومرّ على قصور بني عامر بالصحراء، فاستباحها وشرّدهم عنها إلى قاصية القفر ومفازة العطش، ولحق بتلمسان في ربيع الثّاني». (المصدر ذاته الصفحة 437).
إن أهم ما يمكن الاطمئنان إليه هو أن قصر المرفوعة هو قصر يعود إما لأحفاد سيدي سليمان بن أبي سماحة الذين اتخذوه مكانا للتخزين بين القرن السادس عشر والسابع عشر، باعتباره يقع على طريق نجعتهم إلى الصحراء، أو أنه من بقايا قصور بني عامر التي كانت تمارس تجارة القوافل بين الشّمال والجنوب ما بين القرن الثّالث عشر والخامس عشر ميلادي، حيث شيدته لمراقبة مجال تحرك قوافلها وحط أثقالها، وربما لأخذ الإتاوات من القبائل الأخرى التي كانت تجوب المنطقة، ثم في مرحلة من المراحل التّاريخية هُجر القصر إما لأسباب عسكرية كالصّراعات التي كانت تنشب بين القبائل، أو لأسباب اقتصادية سببها تراجع حركة التّجارة بين الشّمال والجنوب في فترات زمنية محدّدة، الأمر الذي أدّى إلى ترك القصر وهجرته ولم يتم إعادة إعماره بعد ذلك.
لا يزال قصر المعمورة يصارع الزّمن رغم الانهيارت التي طالت غرفه والعديد من جدرانه، كما أن السّور الخاريجي يتعرض للتآكل من قاعدته جراء عوامل الطبيعة، الأمر الذي يجعله عرضة للانهيار الكلي في أي لحظة إن لم تسارع السّلطات الوصيّة وهيئات المجتمع المدني في التّدخل لحماية هذه الكنز الأثري والذي يقع وسط تحفة طبيعية لا نجد لها مثيلا في أي موقع آخر.
أحمد عقون.
بلدية تيوت ولاية النعامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق