بقلم الاستاذ: علي نابتي
يعتبر نشاط الحضرة من أبرز الطقوس الدينية الثقافية الاجتماعية، التي اعتادت الأوساط الصوفية تنظيمها بشكل جماعي ، حيث تدخل طقوسها في صلب خصائص و مبادئ كل طريقة دينية . فهي عبارة عن احتفال صوفي، يُنظم كل أسبوع أو شهر، قد يتزامن موعده مع المناسبات الدينية وإحياء الوعدات من لدن أتباع ولي معين ، حيث يلتقون في مقر زاويتهم أو في منزل أحد الأوفياء ، يتلون أذكار و أوراد الطريقة و ينشدون الأشعار الصوفية و الرموز الصوفية؛ والتي تكون عادة من تأليف الولي، مؤسس الطريقة. ويصبح هدف المريدين من جميع تلك التفاعلات هو التقرب من حضرة الله باتباع مبادئ السلوك الصوفي والاقتداء بأخلاق الولي، فتكون الحضرة عبارة عن غسل نفسي من أوساخ باطن الإثم، يحرص الأوفياء على ممارسة طقوسها دوريا.
تأتي الحضرة التي ينظمها النساء في رحاب قباب أضرحة و مقامات الأولياء ، بوصفها احتفالا صوفيا يستمد شرعيته واستمراريته من مباركة الأوساط الطرقية الصوفية الإسلامية، وهو مجال ديني ثقافي اجتماعي، يستفيد منه النساء، وبخاصة الأميات الماكثات في البيوت ، يمكن تصنيفه كمظهر أو مستوى يعبر فيه النساء عن مشاعرهن الجمعية بالمديح الديني الصوفي و أداء رقصت الجذب على إيقاع " آلة البندير " و الزغاريد وسط دخان " البخور" المعطر.
وحتى يتسنى لنا فهم البناء السوسيولوجي للاتصال في تنظيم الحضرة النسوية بفضاء قبة سيدي بوجمعة، سنحاول إجراء اقتراب من بعض النماذج المثالية في صياغة تحديد لخصائص سلوك وهوية مجتمع الدراسة، في إحدى أهم لحظاته التفاعلية والانفعالية، من خلال ما لاحظناه فعلا من أنماط السلوك، لنكتشف سيرورة الاتصال ومختلف أشكاله؛ وكيف يتبلور في خضمها التفاعل الاجتماعي، المنتج لتلك الحمولة الرمزية الثقافية للحضرة .
و من مسلمات هذه الدراسة، أن النساء اللائي يترددن على الفضاء المقدس سيدي بوجمعة ، ينتمين إلى جماعات أولية قد ساهمت، بما لا يدع مجالا للشك ، في صياغة قيمهن و تحديد سلوكهن فيما يتعلق بزيارة الأولياء، أو ما يعبر عنه كذلك بالإسلام الشعبي؛ فالنظرة السوسيولوجية،كما خلُص إليه الباحث "روبرت ميرتون" ، تضع في الحسبان أثر الجماعة الأولية التي تساهم في صياغة قيم الفرد و تحديد سلوكه. لقد لاحظنا خلال الدراسة الميدانية ميل كل إمرأة إلى تبني جماعة الحضرة النسوية، كمصدر للتوجيه ، وهو ما يحيل على وجود روابط اجتماعية ، تتكامل داخل نشاط الحضرة ، فتُؤدي كل امرأة دورها كمرسلة باعتبارها جزءا من بناء نسق الاتصال.
أ- الخصائص المورفولوجية لنشاط الحضرة :
يبدأ الإعداد لنشاط الحضرة ، بالتفاعل مع المناسبات الدينية ( عيد الفطر ، المولد النبوي عاشراء ... اِلخ) ، أو كفقرة من فقرات الاِحتفاء بوعدة سيدي بوجمعة ،فهي تمثل احتفالا صوفيا نسائيا ,يعبرن خلاله عن تفاعلاتهن الرمزية واِنفعالاتهن الشخصية ، كعربون مساهمة دلالية في عملية الوفاء وتجديد التعاقد مع الولي . قد يكون الداعي كذلك إِلى تنظيم الحضرة النسوية وفاء إِحدى النساء بنذر قطعته على نفسها ، أويرتبط بالإستجابة إِلى رؤيا في المنام، في هاتين الحالتين قد يكتفي المعنيات بتنظيم الحضرة على مستوى منازلهن.
تتضح مكانة "البوابة " عند إعداد الحضرة، كمستقبلة للأخبار والمعلومات , لتتحول إِلى مصدر موثوق ومأذون , حيث تُؤدي دورها كمرسلة. لاحظنا بأن وصول النساء إلى تقوية شبكة الاتصالات، يرجع إِلى المواظبة على زيارة قبة سيدي بوجمعة ، حيث دأبت العادة على تشكيل هيكل غير رسمي، يتكون من مكتب تنظيم يتألف من ست نساء تعود إِليهن مهمة الإشراف على التحضير للحضرة، فيما تبقى وظيفة التنسيق العام من أداء البوابة (الوكيلة).
نعاود التذكير بموضوع الاتصال، كما عرفه "هال– E.T. Hall " : " بأنه الوسائل التي بمقتضاها ينكشف لنا معنى ما يقوم به البشر " ، فمن هذا المنطلق سنعرض لكيفية بناء الاتصال في تحضير وممارسة نشاط الحضرة بوصفها منظومة اِجتماعية ثقافية، تحتوي على عناصر أخرى إلى ِجانب مرسل ومستقبل.
تلتقي العضوات المكلفات بإعداد الحضرة في منزل السيدة (ز) ،حيث يتم التخطيط لشبكة الإتصالات مع النساء الوفيات للإستجابة بتضامنهن الآلي ,كما سماه "دوركايم "، فمن هذه المرحلة الأولى يتحدد "المدى " الذي يعكس الدرجة التي يتأثر بها سلوك المشاركات و الأشكال التي تتخذها ومدى تفاعل مضامينها من خلال فرص التقارب بين عضوات الحضرة و فرص اِندماجهن فيها .
قالت لنا بوابة قبة سيدي بوجمعة : "كنا في الماضي ، نجد مشقة في الاِتصال بالعضوات المشاركات في الحضرة ، حيث أن عملية الإتصال كانت تتطلب لقاء المعنيات شخصيا، ليحرصن على تقديم مساهمتهن النقدية والعينة ( دقيق, سكر، شاي , خضر ...) أما اليوم فبفضل الهواتف الخلوية، أصبحت مساعي التحضير والتنسيق والإعلام والإتصال تتم بدون مشقة...". تتضح الإفادة من خدمات الهاتف الخلوي بوصفه وسيلة تكنولوجية عصرية في وسط تقليدي نسوي، من مظاهر التفاعل مع التحديث وفقا لشروطهن الخاصة؛ فوقوفنا على عينات من المكالمات الهاتفية أجرتها و استقبلتها السيدة (ز) بمناسبة التحضير لنشاط الحضرة، جعلنا نتأكد عمليا من أن الإتصال يفضي إِلى وحدة الشعور ووحدة التفكير ، لقد لمسنا من الإتصال الشخصي الذي أجرته أمامنا السيدة (ز) أو بعض مساعداتها ، بأن العلاقات التي تربط هؤلاء النساء تطبعها مظاهر الإتفاق والرغبة في إِنجاح إحتفال الحضرة، ليس بتبادل الرسائل فحسب، بل وبترجمة القول إلى عمل ، إِنها ترجمة فورية للأحاسيس، والعواطف، والدوافع و الحاجات بكلمات معينة تعكس اِعتقادهن في صحة ما يقمن به. نسوق بعض النماذج كما ما يلي :" ها عندك نتكل عليك"-" كُني هانيى حببتي " - " أنا نْدبَر راسي "-" خُصْهم يحضروا "- "يْليق كلشي يْكُون واجد " - "اِنشاء الله ما يكون غير لخير "-" مسلمين مكتفين لسيدي بوجمعة "-"ها عندك خبري جاراتك " –" الله ينفعنا بهذا الخير "- " الله يجعلها صداقة مقبولة ".
نستشف من معاني هذه الجمل وجود نسق من المعتقدات، يعطي دلالة للأشياء المنتجة و التي تبدو قيمة اجتماعية ، من خلال الحمولة الرمزية التي تتفاعل في فضاء سيدي بوجمعة ، فاللغة هنا ليست وصفية فحسب ، بل هي أدائية ، وظيفتها الحقيقية إنجازية من حيث أن القول هو الفعل .
يشرع العضوات المشاركات في إيداع مساهماتهن على مستوى المطبخ الملحق بقبة سيدي بوجمعة، منذ يوم الخميس الذي يسبق الموعد المحدد لإنطلاق الحضرة ، صباح يوم الجمعة ، لاحظنا ثمة مسايرة و انصياع، لأساليب معينة في شكل مجموعة من المعايير، هي بمثابة الإطار المرجعي الذي يساعد جماعة النساء على اختيار الاستجابة، بما تحتويه من مؤثرات مستمدة من الوفاء و الخضوع للولي (مستضيف الحضرة ) ، وهي من الدلائل و المحددات التي تعكس التضامن الأنثوي و التلاحم الآلي لهؤلاء النسوة، مما جعلنا نسجل ميل هذه الجماعة الأنثوية نحو إحداث تجانس بين عضواتها نظرا لألفة تلك المثيرات و وضوح معالمها من جهة ، ولتبني الجماعة كمرجع من جهة ثانية ، وهو ما دفع بهن إلى قبول و تداول مختلف الأداءات، مما تمخض عنه، تسهيلا في الاتصالات الاجتماعية وما أعقبها من تفاعلات.
لقد بدا واضحا أن "المدى"، الذي بلغت مقداره كل إمرأة في العلاقات التي تربطها مع غيرها من النساء المهمات بالنسبة لها في جماعة الحضرة النسوية ، إنما تعكسه عوامل إلتزامها بالمعايير الاجتماعية المرتبطة بهذا الفضاء المقدس والتي يأتي في مقدمتها اقتناع النساء بدلائلها و اتفاقهن حولها، و ثقتهن في بعضهن البعض ، فهذا العامل قد رسخته عضوية كل منهن و شعورهن بالانتماء إلى ثقافته الخاصة و حرصهن على علاقتهن مع باقي عضوات الجماعة ، فهذا يعتبر بمثابة عامل هام من عوامل الإلتزام بمعايير الجماعة، دونما الحرص على بلوغ الوضوح المعرفي.
لاحظنا فيما يتعلق " بالكثافة " في الشبكة الاجتماعية للحضرة ، بأنها قوية و مندمجة ، بفعل تعدد العلاقات بين النساء، مما أدى إلى تحقيق معرفة متبادلة بين أغلب المشاركات فيها ، وهو ما يمنح الفرصة لكل امرأة ، كما عبر لنا بعض المبحوثات ، لإحداث اتساع في "شبكة مجال" كل واحدة من هن من خلال تعدد اتصالاتهن بنساء أخريات يختلفن عنهن كثيرا في الخلفيات الاجتماعية ؛ لقد منحتنا الشواهد الكمية التي جمعناها في هذا الصدد تردد مجموعة من النساء غريبات عن مدينة العين الصفراء ، جئن رفقة أزواجهن في إطار ارتباطات مهنية مختلفة.
ب- المعايير التفاعلية :
يعتبر الشروع في الحضرة، أهم نشاط تفاعلي في تجمع النساء من وجهة النظر السوسيولوجية فهو يتعلق بالمعاني التي ينسبها النساء لعلاقاتهن مع قداسة فضاء سيدي بوجمعة ، فمضمون الروابط يتلخص في تعاونهن لتفعيل نشاط الحضرة في حدود المعايير الخاصة بها ، فالحضرة هي السياق المعياري الذي يحدث فيه التفاعل .
يبدأ التوافد النسوي على قبة ضريح سيدي بوجمعة منذ صباح يوم الجمعة ، حيث تقوم البوابة باستقبالهن في أجواء معطرة بروائح " العود "و "البخور" ، فتكون مناسبة الحضرة فرصة لهن للمبادأة بزيارة ضريح سيدي بوجمعة ، لقد لاحظنا حضور نساء من مختلف أحياء المدينة ومن مختلف الأعمار خاصة بعد صلاة الجمعة ، أين تزداد وتيرة التوافد ، حيث تقدم للحاضرات، وفي مقدمتهن المداحات (القوالات) والمسنات ، وجبة الغداء تحت رعاية مكتب تنظيم الحضرة ؛ لاحظنا أن طبيعة أشكال الاتصال من دوائر قرابية وجيرة و صداقة، كانت متفاعلة في مضامينها المتنوعة ، فهي التي حددت فرص الاقتراب بين النساء، و فرص اندماجهن قبل بلوغهن ذروة الحضرة، فالاتصال في هذه الأثناء يكاد ينطبق عليه وصف "دوركايم" عندما قال في شأنه :"هو تفاعل ضمن شبكة تتبادل فيها وتتوزع فيها التمثلات"، فالاتصال ضمن هذه التفاعلات النسوية يتمظهر بالمحادثة ، أين يكون الإنسان الركيزة الأساس في كل اتصال .
ج – دراسة وظائف النشاط الاتصالي للحضرة :
ينتظم المشاركات في حلقة كبيرة على مستوى فناء القبة ، قبالة المداحات اللائي يتأهبن، وهن حاملات " لبناديرهن " للانطلاق في المدائح الدينية و الأشعار الصوفية . تنطلق الحضرة في شكل رسالة طقسية دينية ثقافية انفعالية ، يمثل المداحات بأصواتهن الصداحة الجهورية خلالها عنصر التنشيط وتأصيلا على وظائف الاتصال التي وضعها الباحث " شانون" ، سنحاول مقاربتها مع عناصر الحضرة، علّنا نوفق في إجراء كشف علمي لبناء الاتصال على النحو الآتي :
المداحات : يؤدين دور المرسل من منطلق وظيفتهن في الحضرة، فهن الحاملات و الحافظات للذاكرة التراثية الشعبية المحلية، في دلالاتها الدينية و الثقافية، في كل ما له علاقة بالإسلام الشعبي من مآثر و بطولات وكرامات و مفاخر ، تخص في المقام الأول الرسول محمد وآل بيته، ثم كبار الأولياء والأولياء المحليين، لهذا وجب توفر مواصفات صارمة في المداحات، قصد التصدي لمثل هذا الدور الطلائعي، فإلى جانب حفظهن للمدائح و الأشعار الصوفية عن ظهر قلب، من الضرورة بمكان أن تكون لهن أحبال صوتية سليمة وقوية، ومؤثرة في المستمعات، لإحداث التفاعل مع رسائلهن اللفظية (المديح والإنشاد) لدى المستقبلات لها ، وفقا لتعدد و تنوع أغراض الأشعار الصوفية .
يتألف طاقم المداحات اللائي نشطن الحضرات ، التي واكبت الإطار الزمني للدراستة الحالية، من أربع نساء (اثنتان يتجاوزن سن الخمسين ) ،حرصن على الظهور باللباس النسوي التقليدي للمنطقة ( ليزار الأبيض اللون ذو الحواشي الخضراء) ، وحتى زينتهن تقليدية ( صبغة خضاب نبات الحناء نلاحظها على أيدهن و أرجلهن، صبغة عود المسواك على شفاههن ، الإثْمدُ على جفون عيونهن - وهو مسحوق معدني اسود تكتحل به المرأة باستعمال المرْوَد ، بالإضافة إلى الأسورة و الخواتم و القراريط والعقود من الذهب و الفضة).
نستطيع أن نعتبر المداحات من خلال ما سبق مؤثرات في الرأي المحلي النسوي لفضاء سيدي بوجمعة ، بعد حارسة البوابة حيث أن كلاهما يُؤدي وظيفة مرجعية بالنسبة للنساء المشاركات في الحضرة فهن المسؤولات على تنشيط وتفعيل البعد العاطفي و الوجداني الذي يربط المشاركات بالمكان و بهذه الجماعة النسوية ، هذا فضلا على أنهن يمثلن في نظر الزائرات مصادر شخصية موثوقة ، يستقين منها الأخبار و المعلومات .
المشاركات في الحضرة: هن من نساء المدينة ، من فئات عمرية متباينة، جئن من مختلف أحياء العين الصفراء قديمها و جديدها ، يمثلن حالات زواجية متنوعة (متزوجات ، عازبات ، أرامل مطلقات )، معظمهن من عائلات وفية لزيارة أولياء الله و منتمية للوسط الصوفي الطرقي ، ومن النساء من حضرن لإشباع فضولهن والاستمتاع بالفرجة.
يتمركز المشاركات في الحضرة لأداء دور "المستقبل" في مرحلة أولى، ثم يتحولن إلى دور "مرسل" بصيغ وأشكال اتصالية متنوعة على قدر موقف كل إمرأة في هذا الطقس الديني الثقافي ؛ يكون النساء في وضعية الاستقبال بالسماع إلى طرب المداحات ، ثم يحدث التفاعل عند قيامهن بالتصفيق المرافق لإيقاع البندير و تحولهن إلى مجموعة صوتية مرافقة للاداء الصوتي للمداحات ، من خلال ترديدهن لمقاطع معينة من كل قصيد أو مديح. في خضم هذا التفاعل رصدنا بروز الانفعالات التعبيرية ، و التي يصبح بعض النساء بمقتضاها مرسلات بامتياز لرسائل رمزية غير لفظية ، تُؤدى برقصات الجذب، وهي نوبات تنتاب بعض النساء عند بلوغهن ذروة التفاعل مع رسائل الحضرة اللفظية وغير اللفظية ( الإيقاع ،روائح البخور ، زغاريد ... الخ) وهو ما نصطلح عليه بمرحلة الإغراء و التحريض، فعادة ما تنتهي رقصات بعضهن بالبكاء و الإغماء – كما لاحظنا ذلك - أو بشفاء من مرض.
رموز الحضرة : هي كل الأدوات الثقافية، من لباس تقليدي مميز يرتديه بعض المشاركات ومن رقصات جذب على إيقاع البندير ومن تصفيق، وما يتخلله من زغاريد و أصوات انفعالية وما إلى ذلك من بكاء وإغماء في وسط تعطره روائح البخور و تُرَش فيه العطور ، و تُوقد خلاله الشموع ، وتُوزع أثنائه خلطة "الروينة " ، فهي أشكال اتصالية أغلبها غير لفظي ، تساعد على دعم مواقف النساء المشاركات ، التفاعلية والانفعالية، و التأثير فيها، وعلى حفر و ترسيخ الأنماط السلوكية و تحقيق الحد الأقصى من الإشباع في إطار وحدات هذا النسق الاجتماعي النسوي ، فالتكامل و الترابط بين تلك الوحدات من خلال الأهداف أو التوجيهات العامة لسلوك النساء في الحضرة و المعايير التي تحكم مختلف الأداءات و الصلات وفقا لنسق من الرموز الثقافية المشتركة ، كلها خصائص بعضها يبدو شديد الوضوح خلال هذا التفاعل الطقسي الثقافي.
إن توقف العلاقات الاجتماعية عند تنظيم الحضرة ، على الاتصال الشخصي ، يجعل من التفاعلات بين المشاركات عملية اجتماعية، تساهم في ربط و إذابة الاهتمام المشترك للنساء من خلال توافقهن مع مكان غني بالرمزيات، يمثل مصدر شحنة انفعالية و اجتماعية ، تحاول كل امرأة البحث في حدود إمكاناتها الوجدانية و الإدراكية عن تحقيق تكيّف، ولو جزئيا، عن طريق التأقلم و علاقات الاستطاعة ، من منطلق دخولها في تفاعل مع الأخريات عبر مسارات المطابقة والتقمص.
لاحظنا خلال حضورنا لخمس حضرات نسوية في فناء قبة ضريح سيدي بوجمعة ، أهمية الوقت المخصص لهذه التظاهرة الطقسية الثقافية، حيث انطلقت بعد صلاة الجمعة وهو تعبير على أن الحضرة أقل مكانة وأقل أهمية من طقوس صلاة الجمعة ، كما قالت لنا إحدى المداحات ؛ فيما أُسْدل الستار على هذا التجمع النسوي قبيل صلاة المغرب. إن أهمية هذا الحجم الساعي يعطينا انطباعا عن الثقافة السائدة في هذا المجتمع المحلي الصغير، فمجمل الشواهد الكيفية والكمية التي قمنا برصدها، تُؤكد بأن النساء يتمتعن بحرية خلال هذا الزمن الاجتماعي ، حيث يُؤدين ممارستهن وفق نظام معياري، يكشف عن نوع التفاعل بين عضوات هذه الجماعة الأنثوية ، لقد أرجعنا ذلك إلى طبيعة البناء الاجتماعي لفضاء سيدي بوجمعة ، فهو قائم على القرابة و المصاهرة بين معظم الزائرات ، هذا فضلا عن العلاقات الاجتماعية بينهن و التي تستمد شدتها و قوتها من الجيرة والصداقة، وما تمتاز به الأشكال الاتصالية من تأثير وفعالية. لقد كشفت لنا تلك العلاقات غير الرسمية ، في هذا الوسط الاجتماعي عن مدى عمق وتجدر وجدان النساء في ارتباطهن بهذا الفضاء المحلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق