بقلم الأستاذ: علي نابتي أستاذ جامعي مختص في علم النفس الاجتماعي.
تستعرض هذه الورقة البحثية التعريف بفضاء تراثي يجمع ما بين الوجدان الديني و التراث الاجتماعي،تتمظهر استقطابيته من خلال ارتباط الناس و بخاصة النساء مع ولي صالح يسمى سيدي بوجمعة حيث تحملت نسوة في مدينة العين الصفراء على عواتقهن مسؤولية استمرار الحياة الطقسية في هذا الفضاء التراثي العابر و المخترق لأزمنة التقانة و التحديث،و المتحدي للخطابات الدينية اللاغية لعلا قة الانسان الجزائري مع الزمان و الأمكنة.
أ - مدينة العين الصفراء والفضاءات المقدسة :
تجمع معظم المصادر التي تناولت تاريخ قصر العين الصفراء، على أن تأسيسه يعود إلى سنة 1580 م (987 هـ)، حيث قدر الباحثون عمره العمراني بستة قرون خلت. لقد عرفت المنطقة هجرات بشرية متتالية من الجيتول، السكان الأوائل، ثم عرب بني عامر خلال القرن الثالث عشر الميلادي. يقع قصر العين الصفراء (عين الصافية) على أعالي الضفة اليمنى لواد صفرا، تم تشييده أسفل الكثبان الرملية عند ملتقى وادي البريج ووادي الميلح، في صلب جبال القصور على مرتفع ( 1070 م ) بين جبل مكثر (2062م) جنوبا، وجبل عيسى ( 2236 م ) في الشمال الشرقي، أما على الشمال الغربي فيقع جبلا : مرغاد ( 2135 م )، الحيرش (1686م)، أما على شماله الشرقي فيوجد جبل بني سمير(1800م).(1)
- فضاءات الأولياء في مدينة العين الصفراء :
توصلنا من خلال زياراتنا الميدانية التي استهدفنا بها التعرف على تشكيلة الفضاء المقدس لمدينة العين الصفراء إلى مايلي :
توجد داخل النسيج العمراني للقصر، قبة مقام سيدي عبد القادر الجيلالي، قبة مقام سيدي أبي الدخيل، وقبة سيدي بن السهلي، بالإضافة إلى قبر لالة كلثومة زوجة سيدي أحمد المجذوب. في الناحية الشرقية للقصر توجد قبة سيدي عبد الله، أما خارج القصر بإتجاه الغرب على الطريق المؤدية إلى قصر الصفيصيفة نجد قبة ضريح الولي سيدي بوجمعة.
في شرق وسط المدينة (القرية الكولونيالية سابقا) توجد قبة مقام زاوية سيدي بلال، وفي نفس الحي توجد كذلك دار الزاوية الطيبية.
لاحظنا أن القباب المنتشرة على أعالي الضفة اليمنى لواد صفرا، تعرف توافدا للزوار حيث أن الغالبية العظمى منهم هي من النساء، وهو ما يدعم مسعانا الدراسي، لفهم تفاصيل وخلفيات هذه الظاهرة الاجتماعية، في وسط نسوي لا يزال في منأى عن إهتمامات البحث العلمي.
إن الحصيلة الإخبارية التي توصلنا إلى رصدها ميدانيا، فيما يتعلق بالممارسات الطقسية في قباب أولياء منطقة العين الصفراء، نستطيع أن نقول بشأنها، أن عصبها الرئيس في مجمل التفاعلات، يعتمد بالدرجة الأولى على الاتصال بنوعيه اللفظي وغير اللفظي، وبخاصة في الممارسات الطقسية الفردية.
إن ما يميز الفضاء المقدس لمدينة العين الصفراء، هو عراقته وتأثره بأحداث تاريخية مرت بها المنطقة، أدت إلى حدوث تفاعلات اجتماعية، ساهمت في صهر التشكيلة الإثنية بمختلف أعراقها ومشاربها (أمازيغ، عرب، سودانيون) حيث كان للدين الإسلامي بالغ الأثر في الحفاظ على حالة الاستقرار والتناغم والتعايش السلمي بينهم.
ب – من هو سيدي بوجمعة ؟
عندما هبطنا إلى الميدان بهدف السؤال عن هوية سيدي بوجمعة، إعتقدنا بأن الإجابة على هذا السؤال ستكون كافية ووافية ، غير أن لسان الحال حوّل سؤالنا إلى لغز محيّر.
منذ ما قبل مطلع القرن العشرين ، كانت ظاهرة زيارة ضريح سيدي بوجمعة متواجدة ، حيث أننا تمكنا من معرفة ماضويتها، من خلال إطلاعنا على بعض الملاحظات و المعلومات التي جمعتها الكاتبة الصحفية "إزابيل إيبرهاردت "عن الفضاء المقدس لمدينة العين الصفراء ، تذكر في مقالة بعنوان "عودة " القباب البيضاء المحيطة بالقصر العتيق ، و الصامدة على مر القرون : "سيدي بوتخيل عمدة العين الصفراء ، سيدي عبد القادر الجيلاني أمير أولياء الإسلام ، سيدي سهلي حامي رعاة الإبل و البدو".(2)
وصفت الكاتبة الصحفية تجانس الأشكال الهندسية للقباب المتواجدة في العين الصفراء ، كما تطرقت إلى حرص سكان المدينة ، بخاصة النساء المسنات ، على زيارة أضرحة الأولياء ، نكتشف هذه المعطيات التي استعملت الكاتبة في جمعها تقنية المشاركة المباشرة، و هو ما نقرأه في مقالة بعنوان" سيدي بوتخيل " : "يدخل الزوار إلى القبة ، يقبلون الأسترة والسبحات ، ثم يجلسون على الأرض في اتجاه القبر ، باسطين أيديهم أمام أعينهم وكأنهم يقرأون في كتاب بصوت منخفض و في خشوع عميق، يدعون الله طالبين و متوسلين التدخل الكرامي للولي ؛ و قبل مغادرتهم يسلمون لحارس القبة عطايا متواضعة ...." (3)
تطلعنا الكاتبة "ايزابيل " عن وجود قبة سيدي بوجمعة عندما كانت في طريقها إلى قصر الصفيصيفة (60 كلم غرب العين الصفراء). نقرأ في مقالة بعنوان "موت إسلامي ": (...) قبة سيدي بوجمعة الصغيرة المنتصبة على طريق بن يعو و الصفيصيفة "، لقد توقفت واقتربت من القبة ونقلت لنا هذا المشهد: "يقف عرب حول القبة ، إنهم زوار ، جاؤوا من بعيد طلبا لحماية الولي الكبير. لقد تجمعوا منذ طلوع
النهار ، صلوا مطولا ، بحركات جميلة رخيمة من الشعيرة الإسلامية، تجعل المتواضعين عظاما " (جمع عظيم) ؛ تخبرنا الكاتبة بأن هؤلاء الزوار من البدو : "خلف السور الصغير المحيط بالقبة، نسوة يتبادلن أطراف الحديث و هن متحلقات حول نار قد خبى جمرها ، بدويات جئن مع رجال من قبيلتهن ، إنهن متسترات و بالكاد يظهرن وجوههن".(4)
في ذات المقالة تحدثت" إيزابيل " عن مقبرة سيدي بوجمعة المقابلة لقبة الولي ،واصفة طقوس دفن ميت بالملاحظة. في غياب دراسة سابقة تناولت فضاء الأولياء في مدينة العين الصفراء وظاهرة التردد على أضرحتهم ، لم نتمكن سوى من العثور على مقالات "إيزابيل ايبرهاردت" فيما يتعلق بالنصوص التي تناولت فيها البيئة الاجتماعية والدينية الثقافية لمدينة العين الصفراء خلال بداية القرن العشرين ، "فنص إيزابيل ، نص وثيقة ، إنه ورقة إنثروبولوجية لا نملك غيرها إلا تلك المصادر الشفوية غير الموثقة (...) يهمنا النص في حد ذاته و الذي يمدنا بمجموعة من المعارف ...".
اقتربنا من السيد (ع، ي ) من مواليد 1915 ، و هو أكبر أفراد العائلة التي تشرف على قبة ضريح سيدي بوجمعة، فلم نتمكن من طرح أسئلة المقابلة عليه نظرا لضعف سمعه ، و لكن من حسن الحظ أننا تمكنا من إجرائها مع السيد ( ع، ق) من مواليد 1929 ، حيث حرصنا على توفير الأجواء المريحة له كما قمنا بتكرار نفس اللقاءات على فترات متباعدة ، للحصول على أكبر قدر من المعلومات وتأكيدها من جديد ، وهو ذات الأسلوب الذي اتبعناه مع السيدة (ز، ع) من مواليد 1948 ،وهي التي تشرف حاليا على قبة سيدي بوجمعة.
أفصح السيد (ق) بصريح العبارة أن عائلته تجهل أصول الولي سيدي بوجمعة، والموطن الذي جاء منه قاصدا العين الصفراء ، و لا الفترة الزمانية التي جاء فيها إلى البلدة ، كما أنهم لا يملكون أية معلومات تخص حالته الزواجية و إن كان قد خلّف أبناءا (6)
لم نجد عند عائلة "ع" المشرفة على استقبال زوار الولي سيدي بوجمعة ، أدنى البيانات حول الانتماء الطرقي الصوفي لهذا الولي ، و ما إذا كان قد ترك أثارا مكتوبة أو حتى شفوية ، أو له تلامذة، كما لم نجد عند الناطقيّن الرسميين إجابات تخص الرصيد الكرامي لسيدى بوجمعة ، لقد توارى هذا الولي أمام المعلومات التي تتعلق بجدهم المعاصر والمرافق لشخصية سيدي بوجمعة.
الراجح أن الولي سيدي بوجمعة، قد عاش خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، وقام جد عائلة (ع) ببناء قبة على ضريحه ، وأوصى أبناءه بدفنه إلى جوار الولي ، بناءا على رؤيا رآها في نومه
خاطبه خلالها الولي قائلا :" كَبَّرْ الشَّايَرْ باش يَرْفَدْني و يَرَفْدَك" ؛ هذه الرؤيا المتواترة تبرر بها العائلة وجود قبر جدهم إلى جوار ضريح سيدي بوجمعة ، و أكثر من هذا، فهي مشفوعة برواية مفادها أن جدهم قد أخطر باشا آغا قصر تيوت المدعو سي مولاي (عُيّن من طرف سلطات الاحتلال الفرنسي من عام 1897 إلى غاية موته في :12/11/1930) ، مخاطبا إياه قائلا : " موتي تكون نهار الأحد ..."، فهمنا ضمنيا أن دفنه داخل قبة ضريح سيدي بوجمعة ، تمت بمباركة حاكم محلي كان يصول و يجول.
أمام هذا الفراغ الهوياتي لشخصية الولي ، مركز استقطاب نساء المنطقة و حالة دراستنا ، وجدنا أنفسنا بصدد جمع معلومات ، توصف بالشحيحة ، حول رفيقه السيد جلول بلهاشمي ، لقد قال عنه حفيده و حفيدته : " بأنه كان إنسانا بوهالي ، ميالا إلى الاعتزال ، يتفوه من حين إلى آخر بجمل مختصرة، تحمل معان ودلالات من وحي الحكمة" لقد ساقا لنا بعضا منها ،كقوله :" يا رَايْهُم يارَايْهُم " ، "دير النية ورْقُدْ في الثْنية"، وعندما كان يسمع صوت القطار ، كان يقول : "الحق الحق".
الجديد في تصريحات السيد (ق) ، هو اتصال نفر من الرجال حوالي سنة 1974، قادمين من قرية تقع نواحي ولاية عين تموشنت ، جاؤوا للاستفسار عن نسب و هوية سيدي بوجمعة ، للتأكد من مدى صحة مطابقته مع حلقة نسبية تحمل إسم بوجمعة في شجرة النسب التي كانت بحوزتهم ، مند ذلك الحين لم يعاودوا الاتصال مجددا؛ فهمنا عدم وجود وجه للمطابقة ، بعد جهودنا المضنية ، التي توزعت بين التنقيب في الأعمال و الدراسات التي قام بها الفرنسيون أو تلك التي تناول فيها الباحثون المعاصرون، موضوع الطرق الدينية و الأولياء في الجنوب الغربي الجزائري ، توصلنا في الأخير إلى معلومة مقتضبة حول شخصية الولي سيدي بوجمعة، في منوغرافيا دائرة العين الصفراء لسنة 1949، كما يلي : "نشاهد بمغرار الفوقاني قبتين (02) في شكل عمراني رديء. إحداهما خاصة بسيدي عبد القادر الجلالي، أما الأخرى فتحمل اسم سيدي راشد (...). جاء سيدي راشد من قورارة رفقة إخوانه الستة، أولياء كبار مثله. لقد وافته المنية بمغرار الفوقانى ودفن فيها. فيما تتوزع قباب إخوته على نقاط مختلفة : سيدي معمر بالصفيصيفة ، سيدي بوجمعة بالعين الصفراء ، سيدي عبد الله بإيش ، سيدي مولاي مكتوبة بدرمل ، سيدي عيسى بقصر بني ونيف , سيدي مومن في جبل بشار"(7).
تخبرنا منوغرافيا دائرة العين الصفراء لسنة 1949 :" بأن سكان مغرار الفوقانى ينتمون إلى طريقتين دينيتين : أولاد لحسن لسيدي عبد القادر/ أما أولاد عيسى لمولاي الطيب "(8).
نلاحظ أن الفقرة الواردة عاليه ، لم تعطينا إجابة مدققة وأكثر عمقا حول شخصية سيدي بوجمعة
إذن في ظل عدم توفر معلومات واضحة و موثوقة ، نستطيع تصنيف شخصية هذا الولي في خانة الأولياء المجهولين.
ج - سيدي بوجمعة والعائلة المشرفة على قبة ضريحه :
أكد لنا كل من السيد (ق) و السيدة (ز) بوابة الضريح ، عن عدم وجود أية علاقة قرابة
أو علاقة مصاهرة، بين الولي سيدي بوجمعة وعائلتهم ،كما أنهما عجزا عن إعطائنا إيضاحات، حول السياق الذي تم فيه تولي العائلة مهمة الإشراف على قبة ضريحه. حسب محدثينا، فإن عائلتهم تنحدر قبليا من فرقة تسمى " أولاد العربي " ، قادمة من الساقية الحمراء. وبعد وفاة جدهم، تولى ابنه (م) مسؤولية تسيير شؤون قبة ضريح سيدي بوجمعة ، من استقبال للزوار ، واستلام للعطايا والهبات
أو مايعرف بـ: "الزيارة " ، بعد وفاته حوالي عام 1943 ، تولت السيدة (ف،ب) والدة السيد (ق) مقاليد الإشراف على قبة الولي إلى غاية وفاتها سنة 1973 حيث خلفتها السيدة ( ز،ع) إحدى الحفيدات ، والتي لازالت تتولى هذه المهمة إلى يومنا هذا.
دائما حسب إجابات محدثينا ، وحسب تصريحات بعض الإخباريين من كبار السن ، فإن أبرز الأوفياء من الزوار الملازمين على زيارة ضريح سيدي بوجمعة، هم من البدو الرحل ، خاصة
من قبيلتي : العمور المنتشرة على مراعي منطقة عين الصفراء ، و حميان المنتشرة على مراعي منطقة المشرية .
إن هذا الإقبال الذي استمر ، ولا يزال منذ ما يزيد عن قرن من الزمن ، إلتزم خلاله الزوار الأوفياء بالمظاهر الطقسية المرتبطة بالمقدس ، بدءا بالآداءات والممارسات التي كانوا يؤدونها بجدية وصرامة ، إلى العطاءات التي كانت تبذل بسخاء منقطع النظير ، خاصة من لدن أهل البوادي في سنوات الغيث والخير .
لقد لخصت بوابة قبة سيدي بوجمعة ، تلك الفترة التي ساد فيها المقدس ، في قيمتين هما : النية والحياء (الحشمة). نعتقد أن المعلومة الواردة في منوغرافيا دائرة العين الصفراء لسنة 1949 ، بخصوص مجيء سيدي بوجمعة مع إخوته إلى المنطقة من إقليم قورارة ، تجانب الصحة و الصواب، على اعتبار أن القبيلتين السالفتي الذكر، كانتا تشدان الرحال إلى إقليم توات_قورارة ، قصد إجراء مبادلات تجارية
وما نتج عنه من تأثر العمور وحميان بالطرق الدينية التي كانت منتشرة في الجنوب الغربي ، وبخاصة الطريقة الطيبية، والطريقة الكرزازية، والطريقة الزيانية، الأكثر انتشارا في أوساط القبائل العربية البدوية.
يتفق السيد (ق) والسيدة (ز) بوابة القبة، على أن مجريات التردد على فضاء سيدي بوجمعة قد عرفت تغيّرات عميقة بالمقارنة مع السنوات الماضية؛ فبالأمس كانت النساء في الغالب ، يحضرن إلى القبة برفقة الرجال ، أو يقصدن الولي في مجموعات نادرا ما يكون ضمنها صغيرات السن، وكان لباسهن المشهور "الحايك"، حيث أن المرأة لا ترسم مسارها نحو قبة سيدي بوجمعة إلا من خلال "العوينة "، و هي عبارة عن ثقب تشكله بكلتا يديها، أما المحظوظات منهن في وضوح الرؤية ، تلك اللواتي يضعن " العجار" أي النقاب.
كان مكوث النساء بفضاء سيدي بوجمعة ، متوقف على انتظار الدور لأداء الزيارة
أو لحضور إحتفائية "الحضرة " النسوية؛ فالمكوث كانت تستفيد منه النساء في الأعياد والمناسبات الدينية، فإن حدث تسجيل مكوث لبعضهن عقب أداء طقوس الزيارة، فلا يدوم ذلك طويلا.
تحدث الناطقان الرسميان للعائلة المشرفة على قبة سيدي بوجمعة عن قيم : الاحترام ، الوفاء ، الحياء التضامن الاجتماعي ، التي كانت سائدة في التفاعلات الاجتماعية، حيث كان فضاء سيدى بوجمعة مسرحا لها ، من خلال توظيف الإكرام (الإطعام ) لإشاعة المحبة و التآخي والأمان، وهي خصال أخلاقية لازالت تسري في العلاقات الاجتماعية للمعيش اليومي لسكان العين الصفراء.
د- قبة ضريح سيدي بوجمعة ، الموقع والأهمية :
تقع قبة ضريح سيدي بوجمعة على إمتداد الضاحية الغربية لإقليم قصر سيدي بودخيل، تعلو وهدة تتوسد كثيبا رمليا ، وتتوسط مجرى وادي البريج ووادي المويلح.
لاحظنا إثر ترددنا الميداني على فضاء سيدي بوجمعة، تردي حالة المسالك المؤدية لقبته، حيث وقفنا على الحطام الذي طال ربط جسر وادي البريج من الضفتين، فهو يشكل همزة وصل بين قصر سيدي بودخيل وحي سيدي بوجمعة، وحي أمزي (بومريفق –سابقا-) ، أما الثاني فيعلو وادي المويلح ليربط حي أمزي بحي سيدي بوجمعة. عاينا الصعوبات التي يكابدها المارة، خاصة من النساء و الأطفال وسط ركام من الحجارة و الطين، من مخلفات الفيضان الذي اجتاح العين الصفراء في منتصف شهر أكتوبر من سنة 2007.
يستمد فضاء سيدي بوجمعة أهميته، من حيث كونه مقصدا لأعداد هائلة و مستمرة من أفراد المجتمع، و بخاصة العنصر النسوي، وهو ما دفع بنا إلى اختيار هذا المكان لدراسة الظاهرة الاتصالية فيه وما ينجر عنها من تفاعلات اجتماعية تخفي وراءها ظواهر متعددة تتخطى سقف الاتصالات ذات الصبغة المقدسة.
يرى الباحث خ. بن عمارة، أحد المهتمين بتاريخ التصوف في منطقة الجنوب الغربي، بأن موقع قبة ضريح سيدي بوجمعة، لا يستمد أهميته فقط من وجود قبة ضريح الولي، فالمكان به كذلك ثاني أعرق مقبرة للمسلمين ، تضم قبورها أجيالا تخطت عتبة القرن ، زد على ذلك ، أن المقبرة لا تزال مفتوحة لإستقبال الموتى، إذن الأحياء مرتبطون بها، وهو ما يجعل الاتصال الشعبي فعلا دائما ومتواصلا مع هذا المكان. أما المعطى الثاني، حسب نفس الباحث، يتمثل في إقبال بعض المرضى بداء المفاصل على العلاج "بالردم خلال فصل الصيف في رمال الكثيب، المتاخم لقبة سيدي بوجمعة".
يوجد مرقد الولي سيدي بوجمعة خلف مساكن العائلة المشرفة على قبته، تحيط به البساتين و تقابله أرضا شاسعة، يتكون المبنى من فناء، أرضيته مغطاة بالإسمنت ، على اليسار يوجد كنيف، وحجرة مطبخ أما على اليمين فتوجد حجرة مجاورة لقبة الضريح.
القبة مربعة الشكل، لونها أخضر، بابها من حديد، عند دخولك مباشرة إليها يقابلك ضريح سيدي بوجمعة، يعلوه تابوت من خشب، مكسو بستار من كتان لونه أخضر باهت، على يمينه نجد قبر صاحبه جلول بلهاشمي، جد عائلة (ع). أول رسالة لونية يلاحظها الزائر، هي " الأبيض " و "الأخضر"
فالأول -حسب تأويل البوابة- يدل على السلام ، أما الثاني فيدل على الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق