حذر الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد السعيد أستاذ بيئة المراعي بكلية علوم الأغذية والزراعة بجامعة الملك سعود من خطورة انقراض بعض سلالات الماشية المحلية نتيجة الرعي الجائر وشدد على أهمية ضبط الرعي في المناطق الجافة أكثر من غيرها مبيناً ان اقتلاع النباتات يزيد من سرعة تدهور المراعي ويؤدي إلى التصحر، كما تحدث عن الآثار المترتبة على التخييم والتنزه في البر على النباتات وغيرها من المواضيع الخاصة بالرعي الجائر واثاره على البيئة الصحراوية عبر الحديث التالي.. حيث قال في البداية عن تعريفه ل "الرعي" بأنه عبارة عن ازالة جزء من المجموع الخضري (الأوراق والسوق) بواسطة الحيوانات المجترة التي تتغذى عليها. وقد قسم علماء إدارة المراعي مستويات للرعي بناءً على نسبة ما يتبقى من إنتاج أهم نباتات المرعى بعد عملية الرعي إلى رعي شديد ومعتدل وخفيف، وقد وضع هذا التقسيم على أساس مقدرة أهم النباتات الرعوية على تحمل الرعي وعلى قدرتها على التكاثر والانتشار الطبيعي، وهذا التقسيم نسبي يتغير تبعاً لعدة عوامل من أهمها المعطيات البيئية للمنطقة من حيث معدل الأمطار وانتظام سقوطها سنوياً وخلال موسم الهطول وكذلك نوع الغطاء النباتي وحالته الراهنة وتاريخ الرعي في المنطقة وغير ذلك من العوامل، وبناءً على ذلك قد يعد الرعي الخفيف في منطقة مطيرة ومعتدلة الحرارة، شديداً في منطقة قارية جافة مثل مراعي المملكة، وعموماً فإن الرعي الجائر هو استمرار الرعي الشديد لعدة سنوات في منطقة معينة.
ويلاحظ مما سبق أهمية ضبط الرعي في المناطق الجافة أكثر من غيرها لأن النظام البيئي فيها هش كما يصفه علماء البيئة بذلك لسرعة تأثره بالعوامل الاضطرابية ومنها الرعي. يؤثر الرعي الجائر على الموارد الرعوية من خلال سلسلة مترابطة ومتلاحقة يقود أولها إلى آخرها إذا لم يمكن تداركها. وتتراوح مظاهر التدهور ما بين انخفاض في إنتاج المرعى مقارنة بقدرته الكامنة، ثم تغير في التركيب النوعي للغطاء النباتي تقل فيه النباتات المرغوبة على حساب النباتات غير المرغوبة، ثم سيادة النباتات غير المرغوبة والسامة في المرعى الى الحد الذي يلزم معه التدخل في إعادة زراعة المراعي وهي عملية مكلفة ومحفوفة بالمخاطر الاقتصادية والبيئية والعائد الاقتصادي منها في الغالب منخفض، وأخيراً قد يصل الأمر الى انجراف التربة بفعل الريح. ومن المعلوم أن التربة أحد أهم مكونات النظام البيئي في المراعي وإذا فقدت لا يمكن تصور وجود مرعى بدونها.
ومن مخاطر الرعي الجائر ما يلي:
زيادة تكاليف إنتاج الثروة الحيوانية في المراعي لانخفاض إنتاج المرعى والحاجة إلى الأعلاف الإضافية المكلفة، هجرة الرعاة الذين يعتمدون بعد الله على الرعي كمصدر رئيسي للدخل الى المدن وما يتبع ذلك من مشكلات اقتصادية واجتماعية معروفة، تصبح كثيراً من نباتات المراعي الهامة مثل الروثا والقطف والضمران وغيرها مهددة بالانقراض نتيجة لفقدها أهميتها البيئية في مواطنها الأصلية وعدم قدرتها على التكاثر والتجديد، قد يؤدي الرعي الجائر الى ان تصبح بعض سلالات الماشية المحلية مهددة بالانقراض نتيجة التغير في نظام الإنتاج الحيواني كما في حالة الأغنام النجدية التي أصيبت بالسل الكاذب نتيجة التربية في حظائرها مما تسبب في الإحجام عن تربيتها لدى شريحة كبيرة من الرعاة. وإذا استمر الوضع كذلك فربما تنقرض هذه السلالة أو على أحسن الأحوال تفقد كثيراً من صفاتها الوراثية المرغوبة، انحسار التنوع الأحيائي النباتي على عدة مستويات ابتداءً مستوى المجتمعات النباتية وحتى مستوى التنوع الوراثي للأنواع النباتية. وقد يقود ذلك إلى تأثر التنوع الحيواني في أشكاله المختلفة لارتباط الحيوان بالنبات، استثارة الكثبان الرملية وزيادة حركتها نتيجة تدهور الغطاء النباتي الذي يعمل على تثبيتها. وما قد ينتج عن ذلك من طمر للمزارع والمدن والمنشآت الصناعية، كثرة حدوث العواصف الترابية نتيجة فعل الرياح في التربة المعراة من غطائها النباتي وما في ذلك من مخاطر صحية على سكان المدن حيث تزداد حالات الإصابة بالربو وما يترتب عليه من زيادة في الإنفاق الصحي.
أما بالنسبة لاقتلاع النباتات الصحراوية للاحتطاب فلاشك أنه تدمير مباشر للثروة النباتية في المملكة. ويستهدف الاحتطاب عدداً محدوداً من الشجيرات الرعوية من أهمها السمر والقرض والأرطى والغضا، وتتمثل مخاطر اقتلاع النباتات بقصد الاحتطاب أو غيره فيما يلي:
التدمير المباشر للأنواع المستهدفة. ويكفي أن نعلم أننا إذا أردنا الاستمتاع برؤية مجتمع الأرطى فعلينا أن نتوغل في صحراء الدهناء بما لا يقل عن ثلاثين كيلومتراً وهي المسافة التي لا يصل المحتطبون إليها. وقد كان الأرطى في يوم من الأيام يغطي مساحات شاسعة من الدهناء وغيرها من البيئات الرملية. وكذلك الحال بالنسبة لبقية الأنواع المستهدفة التي كانت منتشرة في صحاري المملكة، ان اقتلاع النباتات يؤثر في المناخ الصغير حول الشجيرات بحيث يصبح غير مناسب لإنبات كثير من الأنواع النباتية التي تتخذ من الشجرة أو الشجيرة ملاذاً آمناً تتكاثر فيه بما في ذلك النبات المستهدف نفسه في كثير من الحالات، ان اقتلاع النباتات يزيد من سرعة تدهور المراعي ويؤدي إلى التصحر.
ما الآثار المترتبة على التخييم والتنزه في البر على النباتات؟
- إن من أشد الآثار المترتبة على التنزه في المراعي خطورة، كثرة حركة السيارات وتعدد مسالكها حتى أن المرء ليعد أكثر من عشرة مسارات في المناطق المفتوحة. وتسبب حركة السيارات وبخاصة حين تكون عشوائية في انضغاط التربة مما يؤثر في كثير من خواصها الفيزيائية حيث تزداد كثافة التربة الظاهرية ويقل تسربها ونفاذيتها للماء وقدرتها على خزان الماء وتسوء فيها التهوية وتقود هذه التغيرات إلى قابلية التربة للجريان السطحي للماء عليها وتعرضها للانجراف بماء الأمطار، ناهيك عن التأثير المباشر على النبات. وقد أحسنت وزارة الزراعة ممثلة في إدارة المراعي والغابات صنعاً حين قامت بتسوير العديد من المواقع الرعوية الهامة بالقوائم الحديدية التي تمنع دخول السيارات ولا تعيق حركة الإنسان أو الحيوان. ومن الآثار السلبية للتنزه في المراعي قيام بعض المتنزهين بعد استمتاعهم بنزهة خلوية حالمة بترك مخلفاتهم في مواقع التنزه مما يسيء إلى المنظر العام للموقع ويسيء إلى اخوانهم المتنزهين الآخرين من بعدهم، دهس بادرات الشجيرات والاشجار الرعوية والقضاء عليها. ومن المعلوم ان كثيراً من النباتات الرعوية المعمرة لا تتاح لها فرصة التجديد كل عام وتكون ضعيفة وبطيئة في أطوار نموها الاولى ولهذا يعتبر طور البادرات من أشد أطوار النبات حرجاً وبخاصة في الظروف الجافة مثل مراعي المملكة، الاضرار بالاشجار والشجيرات وبخاصة إذا كانت من الأنواع النادرة التي تتطلب مواصفات معينة من حيث الموطن البيئي الذي تنمو فيه كالابصال البرية النادرة والأنواع التي لا توجد عادة بكثافة عالية مثل بعض الأنواع التابعة لجنس الجعد.
ما اقتراحاتكم التي تساعد في الحد من هذه المشكلة؟
- لحل مشكلات المراعي لابد من تضافر جهود عدة جهات حكومية وأهلية وليس صحيحاً أن يناط حلها في وزارة الزراعة لوحدها. وفي ما يلي بعض الاقتراحات للحد من مشكلات تدهور المراعي:
-بالنسبة للاحتطاب، أظن الأمر أسهل مما يتصوره البعض. فلابد أن تكون الأنظمة صارمة وخالية من الثغرات التي يندس من خلالها المحتطبون كأن يمنع احتطاب الاشجار الحية فقط فالحاطب يمكنه ان يقضي على عدد من الاشجار في يوم ويتابع احتطاب ما دمره (أماته) في دورة قطع مستمرة. ولابد ان تساند الأنظمة بجهاز تنفيذي قادر على تفعيل الأنظمة. أقول هذا ليس من باب الاضرار بمن يعيشون على مهنة الاحتطاب منذ زمن بعيد ولكن من باب الحرص على البيئة الطبيعية التي نراها تتدهور يوماً بعد يوم ونحن عاجزون عن وقف تدهورها.
- تشجيع استيراد الحطب من الدول الغنية بالغابات كأحد النواتج الثانوية لصناعة الأخشاب وليس من الدول المشابهة في ظروفها البيئية للمملكة كالصومال مثلا لان ذلك سيفاقم مشكلة التصحر هناك التي لاشك انها لن تقتصر على تلك الدولة فحسب بل سينالنا منها نصيب وما مشكلة الجراد الصحراوي التي تتكرر كل حين الا احدى نتائج التصحر في افريقيا التي ندفع ثمنها مرتين (باستيراد الحطب ومكافحة الجراد).
- إذا ثبت اقتصادياً امكانية الاستثمار في زراعة أشجار حطب معينة من خلال دورة قطع طويلة الأجل عن طريق استغلال مياه الصرف الصحي المعالجة حول المدن فإن ذلك سيؤدي إلى منفعتين (تلطيف الجو حول المدن بزراعة الاشجار والحد من مشكلة الاحتطاب).
- بالنسبة للتنزه في المراعي، لم تبلغ حد المشكلة ولكن من أهم ما يمكن القيام به زيادة التوعية بين المواطنين من مرتادي المتنزهات الطبيعية كالروضات بأهمية المحافظة على النبات. وكذلك في المدارس في مراحلها المختلفة، وتشجيع ما تقوم به بعض البلديات مثل بلدية حريملاء وبلدية رماح وغيرهما في تأمين نظافة المواقع الرعوية الواقعة في محيطها ودعمها مادياً بما يضمن استمرار عملها.
- بالنسبة للرعي، يعتبر من أكثر المشكلات تعقيداً لتداخل عدة عوامل في عملية الرعي. فهناك العامل الاحيائي (النبات والحيوان) وهناك العامل الاجتماعي (البدو الرحل والمستقرون والممتهنون لمهنة الرعي في فصل معين من السنة والرعاة من الدول العربية المجاورة واختلاف مواطن الرعي بالنسبة للقبائل المختلفة وغير ذلك) وهناك العامل الاقتصادي الذي يزيد أو يحد من شدة الرعي، وهناك الجانب المعرفي حيث لا توجد دراسات علمية طويلة الأمد يعول عليها في اتخاذ قرارات ادارية ناجحة، كما أن عدد المتخصصين في إدارة المراعي يعد على الأصابع في المملكة. ناهيك عن انه لا توجد إدارة حقيقية للرعي بالمفهوم العلمي في المملكة والمراعي مشاعة للجميع. وكل هذه العوامل تجعل من الصعب تقديم اقتراحات فعالة للحد من المشكلة رغم انها واضحة للعيان
المصدر : جريدة الرياض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق