أول مركز للمراقبة شيده جيش الاستعمار الفرنسي بالجنوب الغربي الجزائري بتيوت ولاية النعامة 1881

 "كرطي فرانسا".. أطلال شاهدة على الألم والكرامة


هنا وعلى أطراف قصر تيوت دائرة العين الصفراء ولاية النعامة، لا تزال أطلال أول مركز عسكري للمراقبة في الجنوب الغربي الجزائري قائمة، والذي شيده جيش الاستعمار الفرنسي سنة 1881م، في محاولة لقمع مقاومة لم تخمد جذوتها، قادها رجال أحرار مثل الشيخ بن الطيب، الشيخ بوعمامة، ومحمد ولد علي، كان المركز رمزًا للقهر والمعاناة. وخلف جدرانه، تعرض كثير من أبناء المنطقة للاستجواب والتعذيب، بل وحتى التصفية. وعشية الاستقلال، وبعد أن أخلاه المحتل، اقتحمه الأهالي ليكشفوا عن مأساة أخرى: جثث أربعة شهداء، دفنوا سرًا في قبو مرحاض قائد المركز بعد سنوات من اختفائهم القسري.

لم يكن الغضب أقل من أن ينفجر، فقد حطم الأهالي المركز وجعلوه أثرًا بعد عين. لا نلومهم، فقد كانت ردة فعلهم صرخة في وجه الظلم، لكن لو بقي هذا المبنى قائماً، لكان شاهدًا مادياً يروي للأجيال القادمة فصولًا من وحشية الاستعمار.

الصورة الأولى: أطلال المركز كما تبدو اليوم، في 28 مارس 2025 .

الصورة الثانية: مشهد من عام 1960، يُظهر محتشد خيام أهالي بدو المنطقة، محاطًا بالأسلاك الشائكة، وأغلبهم من عرش العمور الصوالة، بينما يعلو في الخلفية مركز المراقبة، كذكرى سوداء من حقبة الاحتلال.

(مكان خيام المحتشد تحولت اليوم إلى حي مولاي عبد القادر)

الفيديو: جانب من شهادة السيد قربة معمر أحد سكان قصر تيوت

أحمد عقون

مارس 2025 



اكتشاف آنية فخارية بدائية بلدية تيوت دائرة العين الصفراء ولاية النعامة

 اكتشاف آنية فخارية بدائية

بلدية تيوت دائرة العين الصفراء ولاية النعامة 

في خطوة تضيف لبنة جديدة إلى سجل الاكتشافات الأثرية في منطقة تيوت التابعة لدائرة العين الصفراء ولاية النعامة بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى، وخلال جولة رمضانية ضواحي المكان السياحي المعروف باسم شراشير جعرة، عثرت عن طريق الصدفة على جرة فخارية بدائية بعد أن كشفت الرياح عن جزء صغير من قاعدتها وسط كثيب رملي. هذا الاكتشاف من شأنه أن يسلّط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المنطقة، يُرجح أنّ الجرة تعود إلى فترة متقدمة من العصر الحجري الحديث، أو إلى بدايات ما يُعرف بفجر التاريخ.

سنستعرض في هذا المنشور الخصائص الأثرية لهذه الجرة، والفرضيات المطروحة حول الغرض من استخدامها، وأهميتها التاريخية.


1. سياق الاكتشاف

موقع العثور على الجرة:

تمّ العثور على الجرة وسط كثيب رملي بعد أن كشفت الرياح عن جزء منها. حيث وُجدت الجرة مقلوبة، أي أنّ فمها كان إلى الأسفل وقاعدتها البيضاوية الشكل إلى الأعلى.

جرى الاكتشاف ببلدية تيوت المعروفة عالميا بمحطات الصخور المنقوشة التي ترجع إلى فترة العصر الحجري الحديث أهمها محطة الصخور المنقوشة (الحجرة المكتوبة) التي تعد أول محطة تكتشف عالميا سنة 1847م، وقد تم ضواحي المنبع المائي المعروف بشراشير جبل جعرة جنوب تيوت، ما قد يدل على احتمال ارتباط استخدام الجرة بتخزين الماء أو مواد غذائية في ذلك الزمن.

الظروف الطبيعية:

المنطقة معروفة بمناخها الصحراوي الجاف، مما يسهم في حفظ المواد العضوية والفخارية بشكل جيد، ووجود كثبان رملية دائمة الحركة قد يدفن أو يكشف اللقى الأثرية باستمرار.

التقدير الزمني:

العصر الحجري الحديث أو فجر التاريخ في انتظار فحص أثري متخصص.

المؤشرات الأثرية

غياب الزخارف الفنية والتشطيبات المتطورة على السطح الخارجي والداخلي يشير إلى تواضع التقنيات المستخدمة في صنعها، فكثير من الأواني التي تعود لعصور قديمة جدًا كانت بسيطة أو ذات زخارف محدودة؛ لأن أغلب الوظائف كانت عملية، ومع الوقت تطوّرت الزخارف والتقنيات مع نشوء التجمعات الحضرية، كما أن طبقة التكلس أو القشور الكلسية التي تظهر على السطح الخارجي للإناء الفخاري غالبا ما تكون نتيجة لتراكم وترسب الأملاح والمعادن - خصوصا كربونات الكالسيوم - على مدى فترات طويلة، وذلك في أثناء بقاء الإناء مدفونًا في تربة غنية بالمواد الكلسية أو في بيئة رطبة حاوية لأملاح مذابة، فعندما تدفن الأواني الفخارية في تربة أو طبقات رسوبية تحوي نسبة عالية من الكالسيوم أو الأملاح المختلفة، تتسرب تلك الأملاح إلى مسام الفخار أو تتراكم على سطحه الخارجي. وعند تبخر المياه المحملة بالمعادن على السطح تترسب هذه المعادن في هيئة طبقة بيضاء أو فاتحة اللون (تكلس) هذه الرواسب الكلسية قد تكشف معلومات حول نوعية المياه أو البيئة القديمة في المنطقة.

الشكل البيضاوي للجرة: الغرض والدلالات

الشكل البيضاوي لهذه الجرة ليس عشوائيًا، بل هو نتيجة لتطور في المعرفة الحرفية والوظيفية لدى المجتمعات القديمة كما يؤكد على أن هذا الإناء قد عاصر الفترة التي سبقت اكتشاف لوحة الفخار الدورانية المتحركة، وفيما يلي بعض الأسباب التي قد تكون وراء هذا التصميم:

سهولة النقل والاستقرار: 

يسمح الشكل البيضاوي بتوزيع الوزن بشكل متوازن وسط بيئة مطيرة وأرض مغطاة بنبات السافانا والأعشاب الطويلة، مما يسهل حملها ووضعها ونقلها، خاصة إذا كانت تُستخدم لتخزين الماء أو الحبوب، فعند وضعها على الأرض، يمكن أن تكون أكثر استقرارًا من الأشكال الأسطوانية، خاصة إذا تم دفن جزء منها جزئيًا في الرمال لتجنب انقلابها.

تحسين تدفق السوائل: 

الشكل البيضاوي يساعد في توجيه الماء عند السكب، مما يجعل التدفق أكثر سلاسة دون انسكاب مفاجئ. في حالة استخدامها لحفظ الماء، فإن هذا التصميم يقلل من تبخر السوائل مقارنة بالأواني العريضة والمفتوحة.

مقاومة الضغط والتشققات: 

الشكل المنحني يجعل الجرة أكثر قدرة على تحمل الضغوط الخارجية، مثل ثقل المواد المخزنة أو تأثيرات الحرارة والرطوبة، ومن الناحية الفيزيائية تعد الأشكال البيضاوية أكثر قدرة على توزيع الضغط بشكل متساوٍ مما يقلل من احتمالية الكسر عند التعرض لصدمات خفيفة.

تعزيز التبريد الطبيعي: 

إذا كانت تُستخدم لحفظ الماء، فإن الشكل البيضاوي مع المسامية الفخارية يساعد في عملية التبريد عبر التبخر البطيء للمياه من خلال جدران الجرة. لذا فقد تكون هذه الخاصية مهمة جدًا في البيئات الحارة، حيث كان الإنسان القديم يبحث دائمًا عن طرق طبيعية للحفاظ على برودة الماء.

دلالات ثقافية أو دينية: 

يعتبر الفخار من الأدلة الأثرية الهامة التي تدل على استقرار الإنسان وممارسته للزراعة، حيث كان يستخدم لتخزين الأطعمة، وقد كان في الغالب من صناعة النساء خاصة خلال فترة العصر الأمومي. فبعض الأشكال الفخارية قد تكون مرتبطة بعادات معينة مثل تخزين الحبوب لاستخدامها في فترات الجفاف، أو حتى طقوس جنائزية، حيث دُفنت بعض الأواني مع الموتى كجزء من طقوس الدفن في بعض الثقافات القديمة وقد عثر على أواني جنائزية بمقابر التيميليس بمنطقة تيوت والعين الصفراء لكنها صغيرة مقارنة بالآنية المكتشفة. 

الوضعية التي وُجدت بها (مقلوبة) قد تشير إلى استخدام رمزي أو جنائزي، حيث عُرفت بعض المجتمعات القديمة بوضع الأواني بهذه الطريقة بعد وفاة أصحابها عند استخدامها في طقوس معينة.

عمر الجرة:

يقدّر عمر الجرة بفترة العصر الحجري الحديث أو فترة فجر التاريخ في المنطقة المغاربية، والتي قد تمتد تقريبًا بين 6,000 إلى 3,000 سنة قبل الميلاد (بشكل تقريبي)، وذلك بالاستناد إلى دراسات ومقارنات سابقة مع فخاريات مماثلة في مواقع أثرية مجاورة، وحسب رأي الأستاذ الدكتور عزيز طارق ساحد، أستاذ مختص في علم ما قبل التاريخ بجامعة الجزائر2، الذي أكد على التشابه بين هذه الجرة وأوان مع مماثلتها للعصر النيولتي وفترة فجر التاريخ.


الطرق الممكنة للتأريخ:

الدراسة المقارنة: مطابقة شكل وتصميم الفخار مع نماذج أخرى معروفة من حقبة ما قبل التاريخ في شمال إفريقيا.

التحليل المختبري: في حال توفر إمكانية إخضاع عينات من المادة الفخارية لفحوص مختبرية (مثل التحليل الطيفي أو التأريخ بالكربون المشع على بقايا عضوية داخل المسامية الفخارية)، قد يسهم ذلك في تحديد التاريخ الدقيق.


مواصفات الجرة

المواد والتقنيات:

صُنعت الجرة من الطين الأحمر المحلي، ويُحتمل أنّها شُكّلت يدويًا بطريقة اللولب أو الصفّ المتكرر، ثم جُفّفت في الهواء أو في فرن بدائي. وذلك قبل اكتشاف لوحة الفخار الدورانية المتحركة.

لم تُلاحظ أي علامات تدل على وجود تزجيج (Glaze) أو زخرفة سطحية معقدة.

الشكل والحجم:

الشكل العام شبه بيضوي، مع قاعدة مائلة إلى الاستدارة من الأسفل. الفوهة عريضة نسبيًا ما قد يسهل عملية الملء والتفريغ.

وجود تشققات قديمة يشير إلى تعرّضها لعوامل مناخية أو استخدام طويل الأمد.

أبعادها 36 سم ارتفاعًا، و 25 سم قطر الفوهة وقريبًا من ذلك، ما يجعلها مناسبة لتخزين كمية معتبرة من السوائل أو الحبوب.


الغرض من الاستخدام

تخزين المياه:

إن وجود المنبع المائي قرب مكان العثور عليها، إلى جانب وجود الكلس، يدعمان فرضية استعمالها كوعاء لحفظ المياه أو تبريدها. في المناطق الصحراوية، تُستخدم الأواني الفخارية لتبريد الماء طبيعيًا عبر خاصية التبخر.

تخزين المواد الغذائية:

يُحتمل أيضًا أن الجرة كانت مخصصة لتخزين الحبوب أو البذور، نظرًا لحجمها وغياب أي دليل على استخدام فوهة ضيقة مثل القُلل، ففي الحقبة البدائية، كان تخزين الموارد الغذائية والمائية من أولويات الجماعات البشرية التي استقرّت بالقرب من الموارد الطبيعية.


 الأهمية التاريخية والأثرية

 إضاءة على الأنشطة البشرية القديمة:

يعكس هذا الاكتشاف معرفة الإنسان في تلك الحقبة بفنون صناعة الفخار وتطويعها لخدمة حاجاته المعيشية.

يُظهر مدى ارتباط النشاط البشري بالموارد المائية في منطقة صحراوية، إذ غالبًا ما اتجه الاستيطان المبكر نحو المناطق القريبة من مصادر المياه.

الحفاظ على الإرث الحضاري:

يُعَدّ العثور على مثل هذه الأواني شاهدًا على استمرار التراث الإنساني في المنطقة عبر آلاف السنين.

يُنصح بحفظ الجرة وفحصها علميًا في مختبرات متخصصة وإيداعها في المتحف البلدي لبلدية تيوت لتكون مرجعًا للدراسات العلمية الأثريةالمستقبلية.

تشجيع السياحة الثقافية:

يمكن استثمار هذا الاكتشاف في الترويج للمنطقة سياحيًا، إذ يهتم العديد من الزوّار باكتشاف الكنوز الأثرية والتعرّف على الحضارات القديمة، وتنظيم معارض أو جولات ميدانية للمواقع الأثرية المحيطة قد يسلّط الضوء على غنى ولاية النعامة بمثل هذا التراث المادي.

أحمد عقون الأمين العام لبلدية تيوت 

باحث في تاريخ المنطقة

مارس 2025



قصر واحة حجاج بلدية تيوت دائرة العين الصفراء ولاية النعامة

 **إطلالة من واحة حجاج الخلابة**  

في أعلى التلة تقع أطلال قصر حجاج، الذي ذكره الرحالة فليكس جاكو خلال رحلته الاستكشافية مع طلائع الجيش الاستعماري الفرنسي بقيادة الجنرال كافينياك عام 1847م. وقد أشار في مذكراته إلى أن القصر المهجور تعرض للنهب في حقبة سابقة، حتى أصبح مأوى للجنّ، مما أكسبه اسم "قصر الخوف".  

ومن قبل ذلك، مرّ بالمنطقة الرحالة العالم أبو العباس أحمد بن ناصر الدرعي المالكي سنة 1709م في رحلته إلى الحج، حيث استقبله أهل تيوت أثناء ذهابه، ثم استضافوه عند عودته رفقة أولاد سيدي بوتخيل وأولاد سيدي أحمد المجدوب في الموقع ذاته (انظر الوثيقتين رقم 1 و2) في التعليقات. 

وبعد ما يزيد عن سبعين سنة  (1782م)، مرّ بالواحةَ الرحالة عبد السلام الناصري، والتقى بأهل تيوت في منطقة الرصفة الحمرا غير بعيد عن حجاج (انظر الوثيقة رقم 3).  

تدل بعض العلامات الأركيولوجية أن قصر حجّاج الذي شُيّد في موقع مرتفع كان يُستخدم أساسا لتخزين الحبوب. وبالعودة إلى المصادر التاريخيه فمن المرجح أن بانيه الأوائل  يعودون إمّا إلى قبيلة أمازيغية بائدة، أو إلى عائلات أولاد الشحمي العمور، أو أحد أبناء سيد تاج بن سيد الشيخ الذي اشترى الواحة من أولاد الشحمي أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.  


وقد سبق أن نشرتُ بحثًا مفصّلًا حول تاريخ القصر مع الأستاذ شريف بن واز، يُمكن الاطلاع عليه.

أحمد عقون مارس 2025




إحدى محطات الصخور المنقوشة بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى

 

إحدى محطات الصخور المنقوشة بالجنوب الغربي الجزائري الأعلى.
للأسف سأتحفَّظ عن اسمها أو موقعها حتى لا تطالها يد التخريب الكَوْنَازي.
تضمّ المحطة جدارية منقوشة، لا يزال النصف السفلي منها مغموراً بالرمال، ويُرجّح أن الصخرة الأم قد انهارت من أعلى التلة في زمن قديم، تضم الجدارية رموز وأشكال غامضة وغريبة، مثل: حصان ممتطى، جمل بهودج، يد غير منمّقة، حيوانات مهجنة.. الخ، وهي أقرب إلى ما يُعرف اليوم ب "المْحَاجِيَة"، ظهور النجمة والهلال إضافة إلى لون الزنجرة الغامق، يدلان على أن النقش يرجع إلى فترة مبكرة من ظهور الإسلام في المنطقة.
ربما تروي هذه المحطة أسطورة فارس أنقذ سيدة رفيعة المقام من الأسر، فغالباً ما كانت الأشكال شبه المربعة ترمز إلى متاع القوافل، كالهوادج، والصناديق، وقد يُشير ذلك إلى بطولة هذا الفارس ومن معه في الدفاع عن القافلة، أو على النقيض من ذلك، إلى التفاخر بنهبها وسلبها وأسر من فيها، والانتصار على حراسها. وظهور رمز اليد وسط النقوش يدل على إحكام السيطرة والنفوذ، تخليداً لهذه الأحداث في نقش أبدي على الصخر.
في الجهة المقابلة، تظهر نقوش تعود إلى فترة متأخرة من العصر الحجري الحديث، تمثل: طائر النعام، وحيواناً بقرياً، وحيواناً مفترساً، والفيل.
لحسن الحظ، تحظى المحطة بحماية أحد الرُّحل الذي ينصب خيمته بجوارها ويسهر على حراستها ليلاً ونهاراً، جزاه الله خيراً
. .
أحمد عقون.