واحات النخيل بالجزائر: عذرية الطبيعة مهددة بالتلاشي

واحات النخيل بالجزائر: عذرية الطبيعة مهددة بالتلاشي
تحفل سلسلة الأطلس الصحراوي الغربية في الجزائر، بمئات واحات النخيل الوارفة الظلال حيث الطبيعة الجميلة والجو المعتدل، لكن هذا الوهج مهدد بالتلاشي في ظلّ ما تعانيه هذه الواحات من تراجعات. "إيلاف" تستكشف عالم الواحات الجزائرية بلسان أبنائها والخبراء بأسرارها .
بلغة الأرقام، تستوعب الجزائر ما لا يقلّ عن مائتي واحة تتوزع على اثني عشر محافظة جنوبية هي: الأغواط، ورقلة، بسكرة، غرداية، أدرار، النعامة، جانت، تمنراست، البيض، الوادي، إليزي، وبشار. وتشترك واحات الجنوب الجزائري تشترك في لونها الأحمر العاكس لأشعة الشمس، وتدّر كميات هائلة كل عام من التمور والرطب، وكذا الفول السوداني.وينعكس هذا (الموزاييك) الطبيعي الجغرافي التاريخي إيجابا على سكان الواحات، إذ يشير الأستاذ "محمد صياد" وهو ابن واحة "قورارة" إلى أنّ المناخ السائد في عموم الواحات وثرائها الطبيعي أسهم في تأمين نمط حياتي بروافده البيولوجية ومراياه البيئية.وتحتل الواحات موقعا استراتجيا وسط ديكور طبيعي خلاب منحها خصوصية وجاذبية، رغم التدهور الذي نال كثيرا من سحر هذه الواحات الهادئة، بهذا الصدد، يسجل أ/صياد على غرار أبناء الواحات، بحزن شديد إلى الفكاك الذي بات يرهن أفق هذه الواحات بحكم موت الكثير من نخيلها، والتشويه الذي لحق الواحات وشوّه نضارتها.ويذهب "عادل شريفي" الذي اشتغل مطوّلا على ملف الواحات الجزائرية، إلى أنّ زوال ما ظلّ يُعرف بـ(الفوقارات) وهي مجموعة عتيقة من الآبار، أثر كثيرا على حراك الواحات وديناميكيتها، وحوّل الكثير منها من نجيل أخضر ممتد إلى جفاف مزمن زاده زحف الرمال سوءا، وهو معطى ألقى بظلاله سلبا على منظومة الواحات ككل، ونال بشكل كبير من النشاط الزراعي الذي كانت عنوانا كبيرا له.وتسهم موجة الحرارة القياسية التي تشهدها منطقة الواحات كل عام وتتجاوز 50 درجة في الظل، إلى حد بعيد في بلوغ ثمار النخيل مرحلة متقدمة من النضج. وفي مقام خاص، تستوعب منطقة توات الواقعة على ضفاف ولاية النعامة (1400 كلم جنوبي غرب العاصمة)، لوحدها ما لا يقلّ عن خمسين واحة نخيل منتشرة عبر مساحتها الشاسعة.ويبرز الأستاذ "عمر كباني" أنّ واحات منطقة تيوت تمثل إرثا طبيعيا فريدا في الجزائر، واستنادا إلى شروحات الأستاذ "ناصر غميمة" مسؤول الغرفة الجهوية للسياحة، فإنّ تيوت تتصدر سلسلة الواحات الجزائرية المترامية على مستوى الشريط الصحراوي الجزائري الكبير في صورة واحات غرداية وبريزينة وبوسمغون في منطقة البيض، وكذا تاغيت في ولاية بشار (1200 كلم جنوب غرب الجزائر)، إلى جانب الواحة الحمراء بتيميمون.ويلاحظ الأستاذان كباني وغميمة، أنّ هذه الواحات ليست في أحسن أحوالها، رغم اشتهارها عالميا وتموقعها كمآقي للطبيعة الحية ومتاحف مفتوحة وسط الهواء الطلق بكنوزها الهامة من التمور والنخيل، لكنها بحاجة إلى مخططات فعّالة تبعدها عن شبح العطش، وتنأى بها عن طائلة الكارثية الإيكولوجية.بهذا الشأن، يرى أبناء واحات تيوت الوضع حساسا ويستدعي تدخلا عاجلا وتدابير استثنائية من السلطات العليا في البلاد، بحكم ما تشكو منه الواحة المذكورة من جفاف حقيقي منذ أشهر، بقدر شارفت معه سكان المنطقة على عطش محتوم، بعدما جفت العيون ويبست عشرات أشجار النخيل التي تزين هذه الواحة المتهاوية في أعقاب تأثر المخزون الباطني من المياه الجوفية التي كان يتزود بها أهل الواحة على مدار سنوات طويلة.ولأجل حماية بيئة الواحات الجزائرية، بدأ فريق خبراء جزائري تونسي في دراسة مشروع يروم تأمين محيط الواحات من خلال صيانتها بشكل مستمر وترشيد استخدام مياه الري على نحو لا يزيد عن الاحتياجات المائية لأشجار النخيل، ويكفل إنتاجيتها بريتم مستقر لتطوير المفهوم التكاملي في إدارة الموارد الطبيعية في الواحات، بالتزامن مع زيادة الوعي البيئي لدى السكان المحليين.إلاّ أنّ يزيد، عاشور، رمضان ويحيى، وهم من أصلاء منطقة غرداية وواحات سهل ميزاب (650 كلم جنوب)، يرفضون تسويد واقع الواحات ويقولون أنّها برغم كل الشوائب، لا تزال ملاذا للسكان المحليين، ويشير "محمد"، "عباس" و"ربيع"، إلى أنّ بيئة الواحات في أدرار كما ورقلة وتمنراست وغرداية، تغري مواطنيه في المناطق الحضرية الذين يواظبون على التنقل خلال فصل الصيف إلى واحات النخيل للتنفس من رئة طبيعية خالصة.

الجزائر تايمز / كامل الشيرازي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق